وقالوا: إن من قال: أحلف بالله ثلاثًا، لا يعد حلفه إلا يمينًا واحدًا. فكذلك في الطلاق.
المذهب الثاني في هذه المسألة أن من قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا لا يقع بذلك شيء، وبه قال بعض الشيعة وبعض أهل الظاهر، قالوا: لأنه منهي عنه، واستدلوا على النهي عنه بحديث عن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا؟ فقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم"؟ الحديث. أخرجه النسائي، ورجاله ثقات.
كما استدلوا بما أخرجه سعيد بن منصور عن أنس رضي الله عنه "أن عمر رضي الله عنه كان إذا أتي برجل طلق امرأته ثلاثًا أوجع ظهره" وسنده صحيح. وأطلقوا هذا القول في كل طلاق منهي عنه، كالطلاق في زمن الحيض.
قال الحافظ ابن حجر: وهو شذوذ.
المذهب الثالث في هذه المسألة أنه لا يجوز أن يقول الرجل لامرأته: أنت طالق ثلاثًا، فهو محرم، كالطلاق في زمن الحيض، لكن إن قالها وقعت طلقة واحدة. وبهذا قال بعض أهل الظاهر، واستدلوا للنهي عنه بما سبق.
ومذهب الجمهور صوره النووي: قال: من قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا. فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من السلف والخلف: يقع الثلاث.
واحتجوا بقول الله تعالى {ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا} [الطلاق: 1] قالوا: معناه أن المطلق قد يحدث له ندم، فلا يمكنه تداركه، لوقوع البينونة، فلو كانت الثلاث لا تقع ثلاثًا، وتقع واحدة رجعية فلا يندم.
كما استدلوا بأحاديث الباب، من حيث إنها تفيد الإجماع في عهد عمر على إمضاء الثلاث ثلاثًا، وحاولوا جهدهم أن يوجهوا صدر هذه الأحاديث، ويمنعوا أنها كانت تحسب واحدة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال النووي: قال المازري: وقد زعم من لا خبرة له بالحقائق أن ذلك كان، ثم نسخ. قال: وهذا غلط فاحش، لأن عمر رضي الله عنه لا ينسخ، ولو نسخ - وحاشاه - لبادرت الصحابة إلى إنكاره. وإن أراد هذا القائل أنه نسخ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فذلك غير ممتنع، ولكن يخرج عن ظاهر الحديث، لأنه لو كان كذلك لم يجز للراوي أن يخبر ببقاء الحكم في خلافة أبي بكر وبعض خلافة عمر.
فإن قيل: قد يجمع الصحابة على النسخ، فيقبل ذلك منهم؟ قلنا: إنما يقبل ذلك لأنه يستدل بإجماعهم على وجود ناسخ، وأما أنهم ينسخون من تلقاء أنفسهم فمعاذ الله، لأنه إجماع على الخطأ، وهم معصومون من ذلك. [أي وهم بذلك يشرعون شرعًا جديدًا مخالفًا لشرع الله ورسوله].
فإن قيل: فلعل الناسخ إنما ظهر لهم في زمن عمر؟ قلنا: هذا غلط أيضًا، لأنه يكون قد حصل الإجماع على الخطأ في زمن أبي بكر، والمحققون من الأصوليين لا يشترطون انقراض العصر في صحة الإجماع. اهـ.