ولما كانت طبيعة البشر الغضب والرضا اقتضت الحكمة الإلهية، والرحمة بالأزواج أن يراجعوا طلقة وطلقتين أما الثالثة إذا وقعت لم تحل الزوجة حتى تنكح زوجًا غيره، فقال تعالى {الطلاق مرتان} وبعدهما {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة: 229].
ولم يحدد القرآن الكريم، ولا السنة النبوية فاصلاً زمنيًا بين الطلقات، فكان اختلاف العلماء. هل لو جمع الثلاث في لفظ واحد، أو في دقيقة واحدة تحسب ثلاثًا أو تحسب واحدة، فذهب الجمهور إلى الحزم والتقليل من أبغض الحلال، والتحذير من التلاعب بألفاظ الطلاق، فحكم بأنها تحسب ثلاثًا.
وذهب قلة من العلماء إلى أنها تحسب واحدة ما دامت في لفظ واحد. وكان على رأس الحزم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ووافقه الصحابة، وأجمعوا على ما ذهب إليه.
ولما كان الطلاق يصدر من الرجل بألفاظ صريحة لا تقبل التأويل لم يشترط فيها النية، ويصدر من الرجال بألفاظ غير صريحة، تحتمل الطلاق وغيره اشترط فيها النية.
ومن الألفاظ غير الصريحة لفظ "حرمت زوجتي" أو "زوجتي فلانة علي حرام" هذه اللفظة ونحوها تتبع النية، فإن نوى بها طلاقًا وقع الطلاق، وإن نوى بها ظهارًا وقع الظهار، وإن نوى بها يمينًا لزمه كفارة يمين، وإن لم ينو بها شيئًا كانت لغوًا. على خلاف بين العلماء.
أما تحريم الحلال من غير الزوجة، كقوله: هذا الطعام علي حرام، أو كلامك علي حرام. أو بيتك علي حرام، أو أموالك علي حرام، أو ما شابه ذلك من تحريم ما أحل الله فلا يلزم منه شيء، إلا إذا حلف على ذلك، فعليه كفارة يمين إن فعل ما حرمه على نفسه.
هذا فضل من الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن من كان قبلهم كانوا إذا حرموا شيئًا حرم عليهم، كما وقع ليعقوب "إسرائيل" عليه السلام، فقد روي أنه كان به عرق النساء، فجعل على نفسه إن شفاه الله أن لا يأكل العروق من كل شيء، فشفاه الله، وألزمه تحريم ما حرم، وأخبرنا بذلك، فقال جل شأنه {كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه} [آل عمران: 93].
فكان من نعم الله على هذه الأمة أن خفف ذلك عليهم، فلم يحرم عليهم ما حرموا على أنفسهم، ونهاهم أن يحرموا على أنفسهم شيئًا مما أحل لهم، فقال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} [المائدة: 87].
ولما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه العسل، لتحايل عليه وقع من بعض زوجاته، وحرم على نفسه وطء جاريته إرضاء لبعض زوجاته عاتبه ربه بقوله {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم} [التحريم: 1، 2].
فسبحان أحكم الحاكمين، شرع ما فيه مصالح العباد في الدنيا والآخرة، وخفف على