قال النووي: هبة المرأة نفسها من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو زواج من وهبت نفسها له بلا مهر، قال تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين} [الأحزاب: 50]. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر: ذهب الجمهور إلى بطلان نكاح المؤمن بلفظ الهبة المجرد، من غير ذكر المهر، وأجازه الحنفية والأوزاعي، ولكن قالوا: يجب مهر المثل، وقال الأوزاعي: إن تزوج بلفظ الهبة، وشرط أن لا مهر، لم يصح النكاح، وحجة الجمهور قوله تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين} فعدوا ذلك من خصائصه، صلى الله عليه وسلم، وأنه يتزوج بلفظ الهبة، بغير مهر، في الحال ولا في المآل، وأجاب المجيزون عن ذلك بأن المراد أن الواهبة تختص به، لا مطلق الهبة. اهـ أي فليس معنى الآية أن الهبة خالصة لك من دون المؤمنين، ولكن معناها إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة له، مختصة به من دون المؤمنين، وهو تأويل فاسد، لأن كل نكاح تكون فيه الزوجة خالصة لزوجها. فلا معنى لذكر خالصة لك من دون المؤمنين.
أما عقد النكاح بجميع أركانه لكن بلفظ الهبة. هل يكون من ألفاظ الكناية؟ ويصح النكاح به؟ ذهب الشافعية وطائفة إلى أن النكاح لا يصح إلا بلفظ النكاح أو التزويج، لأنهما الصريحان اللذان ورد بهما القرآن والحديث، وذهب الأكثرون إلى أنه يصح بالكنايات، واحتج الطحاوي لهم بالقياس على الطلاق، فإنه يجوز بصرائحه، وبكناياته مع القصد. والله أعلم.
واستدل بعضهم بالرواية الثالثة والرابعة، وبقوله تعالى: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن مطالبًا بالقسم بين زوجاته، وهذا الاستدلال غير مسلم، فقد ذكرنا أنه أحد التفسيرات للآية.
واستدل بعضهم بقول عائشة "ما أرى ربك إلا يسارع في هواك" على أن الغيرة يغتفر لأجلها بعض التعبير غير السليم، فإن عائشة أضافت الهوى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظاهر هذه الإضافة غير سليم، لأنه لا ينطق عن الهوى، ولا يفعل بالهوى، ولو قالت "إلى مرضاتك" لكان أليق. والله أعلم.
أما الرواية الخامسة فعلاقتها بالباب قوله "كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع، فكان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة" وفيها من الوهم ما ذكرنا. والله أعلم.
ويؤخذ من قوله فيها "فلا تزعزعوها إلخ" أن حرمة المؤمن بعد موته باقية، كما كانت في حياته، قال الحافظ ابن حجر: وفيه حديث "كسر عظم المؤمن ميتًا ككسره حيًا" أخرجه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان.
واللَّه أعلم