القاضي عياض: قوله "بالمدينة" وهم، فقد ماتت بسرف، وهي قريبة من مكة، وقال النووي: يحتمل أن قوله "بالمدينة" عائد على صفية، ولفظه فيه صحيح يحتمله، أو ظاهر فيه. اهـ. إذ كان آخر الرواية الخامسة "قال عطاء: التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب" فيصح بعده "ماتت بالمدينة"، لكن يعكر على هذا الاحتمال قوله "وكانت آخرهن موتًا" وصفية ماتت سنة خمسين، وعائشة سنة سبع وخمسين، وميمونة سنة إحدى وستين. ففي كلام عطاء وهم، إما في "ماتت بالمدينة" وإما في "كانت آخرهن موتًا" قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن المراد من المدينة البلد الكبير، ويقصد به مكة.
وهناك وهم آخر وهو قوله "التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب" قال العلماء: هو وهم من ابن جريج الراوي عن عطاء، والصواب "سودة" كما سبق في الأحاديث.
(فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوا ولا تزلزلوا وارفقوا) النعش السرير الذي يوضع عليه الميت، والزعزعة تحريك الشيء الذي يرفع، والزلزلة الاضطراب، والمراد من الرفق السير الوسط المعتدل.
-[فقه الحديث]-
قال النووي: فيه جواز هبة المرأة نوبتها لضرتها، لأنه حقها، لكن يشترط رضا الزوج بذلك، لأن له حقًا في الواهبة، فلا يفوته إلا برضاه.
ولا يجوز أن تأخذ على هذه الهبة عوضًا. ويجوز أن تهب للزوج نوبتها، فيجعل الزوج نوبتها لمن شاء، وقيل: يلزمه توزيعها على الباقيات، ويجعل الواهبة كالمعدومة، والأول أصح.
وللواهبة الرجوع متى شاءت، فترجع في المستقبل، دون الماضي - أي لا تطالب بعوض عما فات من نوبات نتيجة لهبتها - لأن الهبات يرجع فيما لم يقبض منها، دون المقبوض، وهذا مذهب الثوري والشافعي وأحمد، وأخرجه البيهقي عن علي، وحكاه ابن المنذر عن جماعة، وقالوا: إن رجعت فعليه أن يقسم لها، وإن شاء فارقها وعن الحسن: ليس لها أن تنقض هبتها، وهو قياس قول مالك في العارية.
قال: والأصح عند أصحابنا أنه لا يجوز الموالاة للموهوب لها إلا برضى الباقيات، فمعنى "كان يقسم لعائشة يومين. يومها ويوم سودة" أنه كان يكون عند عائشة في يومها، ويكون عندها أيضًا في يوم سودة، لا أنه يوالي لها اليومين، قال: وجوز الموالاة بغير رضاهن له بعض أصحابنا، وهو ضعيف.
هذا ورواياتنا الثالثة والرابعة والخامسة ليست في هبة المرأة نوبتها لضرتها، وإن كانت في القسم بصفة عامة، ويمكن أن توضع تحت عنوان: هبة المرأة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وواضح أن هذا غير هبة المرأة نوبتها لضرتها.