قال أصحابنا: وإذا قسم لا يلزمه الوطء، ولا التسوية فيه، بل له أن يبيت عندهن، ولا يطأ واحدة منهن، وله أن يطأ بعضهن في نوبتها دون بعض، لكن يستحب ألا يعطلهن، وأن يسوي بينهن في ذلك. اهـ.
وسبب الخلاف في وجوب القسم على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن} [الأحزاب: 51].
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
1 - أنه لا يستحب أن يزيد المسلم في القسم على ليلة ليلة، والمراد اليوم مع الليلة، قال البدر العيني: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا يزاد في القسم على يوم وليلة، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال مالك وأبو ثور وأبو إسحاق المروزي من الشافعية، وحمل الشافعي ذلك على الأولوية، والاستحباب، ونص على جواز القسم ليلتين ليلتين، وثلاثًا ثلاثًا، وقال في المختصر: وأكره مجاوزة الثلاث، فحمله الأكثرون على المنع، ونقل عن نصه في الإملاء أنه كان يقسم مياومة - أي يومًا يومًا ومشاهرة - أي شهرًا شهرًا - ومسانهة - أي سنة سنة. قال الرافعي: فحملوه على ما إذا رضين، ولم يجعلوه قولا آخر، وحكي عن صاحب التقريب أنه يجوز أن يقسم سبعًا سبعًا، وعن الجويني وغيره أنه تجوز الزيادة ما لم تبلغ التربص بمدة الإيلاء، وقال إمام الحرمين: لا يجوز أن يبنى القسم على خمس سنين مثلاً، وحكى الغزالي في البسيط وجهًا: أنه لا تقدير بزمان، ولا توقيت أصلاً، فإنما التقدير إلى الزوج، وقال ابن المنذر: ولا أرى مجاوزة يوم، إذ لا حجة مع تخطي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غيرها، ألا ترى قوله في الحديث "إن سودة وهبت يومها لعائشة"؟ ولم يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمته لأزواجه أكثر من يوم وليلة، ولو جاز ثلاثة لجاز خمسة وشهرًا، ثم يتخطى بالقول إلى ما لا نهاية له، فلا يجوز معارضته السنة.
والذي تستريح إليه النفس أنه يستحب ألا يزيد في القسم عن يوم وليلة، لئلا يعرض الحقوق للضياع، فقد يحال بينه وبين الوفاء بالحقوق بسبب المرض أو السفر أو العجز أو الموت.
2 - أنه يستحب للزوج أن يأتي كل امرأة في بيتها، ليقضي معها ليلتها، ولا يدعوها إلى بيته، لكن إن دعا كل واحدة في نوبتها إلى بيته كان له ذلك، وهو خلاف الأفضل، ولو دعاها إلى بيت ضرائرها لم تلزمها الإجابة، ولا تكون بالامتناع ناشزة، بخلاف ما إذا امتنعت من الإتيان إلى بيته، لأن عليها ضررًا في الإتيان إلى ضرتها. قاله النووي.
3 - أخذ بعضهم أنه يستحب أن لا يمس امرأة في بيت الأخرى في ليلتها، وقد اعتذر بعض العلماء عن مد الرسول صلى الله عليه وسلم يده إلى زينب بأنه لم يكن عمدًا، بل ظنها عائشة صاحبة النوبة، قال: لأنه كان في الليل، وليس في البيوت مصابيح. وهذا اعتذار بعيد، فإن عائشة كانت موجودة من مدة وزينب دخلت، ومن الصعب أن نتصور اختلاطهما، وقيل: كان ذلك برضاهن. وهو بعيد أيضًا، فكلام عائشة ظاهر في عدم رضاها.
والذي تستريح إليه النفس أن مثل هذا مباح، وكف صلى الله عليه وسلم يده استجابة لأحاسيس عائشة، وإرضاء لها.