عياض ومن تبعه في تخصيصهم ذلك بداود -أي أهل الظاهر- وإبراهيم بن علية، ففي لبن الفحل خلاف قديم، حكي عن ابن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وزينب بنت أم سلمة وغيرهم، ومن التابعين عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة والقاسم وسالم وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والشعبي وإبراهيم النخعي وأبي قلابة وإياس بن معاوية، وقال به من الفقهاء ربيعة الرأي وإبراهيم ابن علية وابن بنت الشافعي وداود وأتباعه. فلا يخصص الخلاف بأهل الظاهر وابن علية. اهـ
وتحرير موطن الخلاف. هل تنتشر الحرمة بين الرضيع وبين صاحب اللبن إلى أبناء الرجل من غير المرضعة وإلى إخوة الرجل وأخواته؟ ويتصور تحديد الخلاف في رجل له امرأتان، ترضع إحداهما صبياً والأخرى صبية، فالجمهور قالوا: يحرم على الصبي تزويج الصبية، وقال من خالفهم: يجوز.
واستدل المخالفون.
أ- بقوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} [النساء: 23]. ولم يذكر البنت أو العمة، كما ذكرهما في النسب، وأجيب بأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه، وليس في الآية نص بإباحة البنت والعمة ونحوهما، كيف وقد جاءت هذه الأحاديث الصحيحة بصريح التحريم؟ عم حفصة، وعم عائشة، وقوله صلى الله عليه وسلم "إن الرضاعة تحرم ما يحرم الولادة"؟ .
ب- وبأن اللبن لا ينفصل من الرجل، وإنما ينفصل من المرأة، فكيف تنتشر الحرمة من الرجل؟ وأجيب بأن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معاً، فوجب أن يكون الرضاع منهما كالجد لما كان سبب الولد أوجب تحريم ولد الولد به، لتعلقه بولده. وفي هذه الإجابة نظر، فالفرق بين الجد الذي يدخل منه أجزاء إلى ابنه ثم من ابنه إلى ابن ابنه، وبين الزوج الذي ترضع زوجته وليداً في عدم انفصال شيء من الزوج إلى الوليد واضح، حيث لا تدخل نطفة الرجل في لبن المرأة، فقولهم: إن الوطء يدر اللبن، فللفحل فيه نصيب، بعيد عن القبول، لأن القول بانتشار الحرمة لا يشترط فيه الوطء، والجواب المقبول أن ذلك قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه. والله أعلم.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم: ]-
1 - أن تحريم الرضاع لا يتعدى إلى أحد من قرابة الرضيع غير أبنائه، فليست أخته من الرضاعة أختاً لأخيه، ولا بنتاً لأبيه، إذ لا رضاع بينهم، وحكمة التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وهو اللبن فإذا اغتذى به الرضيع صار جزءا من أجزائهما فانتشر التحريم بين الرضيع وبين المرأة التي صارت أمه، بخلاف قرابات الرضيع إخوته وأخواته وأبوه أو عمه وعماته، لأنهم ليس بينهم وبين المرضعة ولا زوجها نسب ولا سبب.
2 - ومن أحاديث عائشة استدل بعضهم على أن من ادعى الرضاع، وصدقه الرضيع ثبت حكم الرضاع بينهما، ولا يحتاج إلى بينة، لأن "أفلح" ادعى، وصدقته عائشة، وأذن الشارع بمجرد ذلك، وتعقب باحتمال أن يكون الشارع قد اطلع على ذلك من غير دعوى "أفلح" وتسليم عائشة.