صلى الله عليه وسلم، مسيره إليهم، فكانوا يخرجون كل يوم بأسلحتهم مستعدين، فلما طال انتظارهم ولم يروا أحداً خرجوا هذا الصباح إلى مزارعهم بفؤوسهم غير مسلحين عند السحر، وذهب ذو الزرع إلى زرعه، وذو الضرع إلى ضرعه، فأغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة، وفي الرواية الرابعة "فأتيناهم" أي أتينا الشوارع والبيوت "حين بزغت الشمس" بفتح الباء والزاي أي عند ابتداء طلوعها، أي قربنا من البيوت لحصارها، ومهاجمتها. "وقد أخرجوا مواشيهم، وخرجوا بفؤوسهم ومكاتلهم" -جمع مكتل، وهو القفة الكبيرة التي يحول فيها التراب وغيره- "ومرورهم"- جمع مر، بفتح الميم، وهو معروف، نحو المجرف وأكبر منها، ويقال لها: المساحي، قال النووي: هذا هو الصحيح في معناه، وحكى القاضي قولين. هذا، والثاني والمراد بالمرور هنا الحبال، كانوا يصعدون بها إلى النخيل، قال: واحدها "مر" بفتح الميم وكسرها، لأنه يمر حين يفتل. اهـ وفي رواية للبخاري "خرجت اليهود بمساحيهم ومكاتلهم" وهذا يؤيد المعنى الأول من المر، والمسحاة كالفأس، غير أن يدها في طول كفها وليست عمودية عليها كالفأس ويشبه ما يسمى اليوم "بالكريك" بيد صغيرة.
(فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم) أي وركب الناس ليدخلوا المدينة.
(فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر) أي أجرى راحلته، ودفعها، وجعلها تجري، والزقاق بضم الزاي الطريق الضيق، نافذاً أو غير نافذ، والمراد هنا النافذ، يذكر ويؤنث، وجمعه أزقة. وهذا الجري كان بعد أيام من وصول النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خيبر فقد سبق أنهم حاصروها بضع عشرة ليلة، ففي الكلام تقديم من تأخير، وترتيبه أن اليهود خرجوا إلى أعمالهم، لم يشعروا بمنزل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا بعد خروجهم غير مسلحين، فرأوا الجيش بعيداً، فقالوا: هذا. والله محمد وجيشه، ورجعوا للقتال وتحصنوا بحصونهم، وحوصرت المدينة، وفتحت حصونها المنيعة حصناً حصناً في بضع عشرة ليلة، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وهو يقول: الله أكبر، خربت خيبر إلخ.
(فقالوا: محمد والله) -قال عبد العزيز: قال بعض أصحابنا: محمد والخميس- "عبد العزيز" هو الراوي عن أنس، سمع الحديث عن أنس هو وغيره، فرواه هو عن أنس بلفظ "فقالوا: محمد والله" ورواه بعض أصحابه بلفظ "فقالوا: محمد والخميس" أي محمد والجيش، فالخميس الجيش، قيل: سمي بذلك لأنه يقسم خمسة أقسام، مقدمة، وساقة، وميمنة، وميسرة وقلب، وقيل: لتخميس الغنائم، ورد هذا القول بأن هذا الاسم كان معروفاً في الجاهلية، ولم يكن لهم تخميس.
وقد روي الحديث بلفظ "محمد والخميس" عن أنس حميد الطويل ومحمد بن سيرين وثابت، فعرف بهم مقصوده من لفظ أصحابه.
(فلما دخل القرية قال: الله أكبر. خربت خيبر) ظاهر هذا أن التكبير تكبير نصر، مصاحب لدخول القرية، وأن قوله "خربت خيبر" إخبار. لكن بقية الروايات تشير إلى أن هذا التكبير وهذا القول كان قبل النصر عند بدء الإغارة، ولذا قال السهيلي: يؤخذ من الحديث التفاؤل، لأنه صلى الله عليه وسلم لما رأى آلات الهدم في أيديهم أخذ منه أن مدينتهم ستخرب، وقال الحافظ ابن حجر: