وأجاب الجمهور عن روايتي ابن عباس بأجوبة:
أصحها: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تزوجها حلالاً. قال النووي: هكذا رواه أكثر الصحابة. قال القاضي وغيره: ولم يرو أنه تزوجها محرماً إلا ابن عباس وحده، [وتعقبه الحافظ ابن حجر، فقال: جاء مثله صحيحاً عن عائشة وأبي هريرة] وروت ميمونة [روايتنا الثامنة] وأبو رافع وغيرهما أنه تزوجها حلالاً، وهم أعرف بالقضية، لتعلقها بهم، بخلاف ابن عباس، ولأنهم أضبط من ابن عباس، وأكثر، قال ابن عبد البر: اختلفت الآثار في هذا الحكم، لكن الرواية أنه تزوجها وهو حلال جاءت من طرق شتى، وحديث ابن عباس صحيح الإسناد، لكن الوهم إلى الواحد أقرب منه إلى الجماعة، فأقل أحوال الخبرين أن يتعارضا، فتطلب الحجة من غيرهما، وحديث عثمان صحيح.
الجواب الثاني: تأويل حديث ابن عباس، على أنه تزوجها في الحرم، وهو حلال، فإنه يقال لمن هو في الحرم: محرم، وإن كان حلالاً، وكذا في الشهر الحرام، وهي لغة شائعة معروفة. ومنه البيت المشهور:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرماً
أي في البلد الحرام، أي في حرم المدينة.
قال الحافظ ابن حجر: وإلى هذا التأويل جنح ابن حبان، فجزم به في صحيحه.
الجواب الثالث: أن الأحاديث المحرمة قول، وحديث ابن عباس فعل للرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا تعارض القول والفعل ترجح القول عند الأصوليين على الصحيح، لأنه يتعدى إلى الغير، والفعل قد يكون مقصوراً عليه.
الجواب الرابع: قريب من الثالث، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يتزوج في حال الإحرام، وهو مما خص به دون الأمة. قال النووي: وهو جواب جماعة من أصحابنا، وهو أصح الوجهين، والوجه الثاني أنه حرام في حقه كغيره، وليس من الخصائص.
الجواب الخامس: يترجح حديث عثمان بأنه تقعيد قاعدة، وحديث ابن عباس واقعة عين، فيحتمل أن ابن عباس كان يرى أن من قلد الهدي في عمرته أو حجته يصير محرماً، وإن لم يحرم، كما تقدم تقرير ذلك عنه في كتاب الحج، والنبي صلى الله عليه وسلم كان قد قلد الهدي في عمرته تلك التي تزوج فيها ميمونة، فيكون إطلاقه أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم، أي عقد عليها بعد أن قلد الهدي، وإن لم يكن تلبس بالإحرام، وذلك أنه كان أرسل إليها أبا رافع يخطبها، وقد أخرج الترمذي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول بينهما" قال الطبري: قصة ميمونة تعارضت الأخبار فيها، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد بعث إلى العباس لينكحها إياه، فأنكحه، فقال بعضهم: أنكحها قبل أن يحرم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: بعدما أحرم.
الجواب السادس: يحتمل أن النهي عن نكاح المحرم كان بعد عمرة القضاء وبعد زواج ميمونة، ولم يعلم به ابن عباس والله أعلم.