لانقطاعهما عن نساء زمانهما، ديناً وفضلاً ورغبة في الآخرة، ومنه: صدقة بتلة، أي منقطعة عن تصرف مالكها، وقال الطبري: التبتل هو ترك لذات الدنيا وشهواتها، والانقطاع إلى الله تعالى بالتفرغ للعبادة، ومعنى "رد عليه التبتل" نهاه عنه، ولم يأذن له، فقد أخرج الطبراني من حديث عثمان بن مظعون نفسه "أنه قال: يا رسول الله، إني رجل يشق علي العزوبة، فأذن لي في الخصاء. قال: لا، ولكن عليك بالصيام" فيحتمل أن الذي طلبه عثمان هو الاختصاء حقيقة، فعبر عنه الراوي بالتبتل، لأنه ينشأ عنه.
(ولو أذن له لاختصينا) معناه لو أذن له في الانقطاع عن النساء والتبتل لكان مأذوناً لنا فيه أيضاً وتبتلنا، وعبر عن التبتل بالاختصاء لإرادة المبالغة، أي لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء. وفي الرواية التاسعة: ولو أجاز له ذلك لاختصينا" والخصية بضم الخاء وكسرها البيضة، وللذكر من أعضاء تناسله خصيتان، وسل البيضتين من جلدهما هو الخصي ويكون في الإنسان والحيوان، والخصي يجتث الشهوة الجنسية.
-[فقه الحديث]-
في هذه الأحاديث الحث على النكاح والترغيب فيه، وهناك أحاديث كثيرة في هذا المعنى، وإن كان بعضها ضعيف الإسناد، نوردها لما فيها من المعنى الوارد المشروع وننبه على ما فيها.
1 - في مسند أحمد وصحيح البخاري عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت: لا. قال: تزوج، فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء.
2 - وفي سنن الترمذي وابن ماجه عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل، وقرأ قتادة {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية} [الرعد: 38]. قال الترمذي: حديث حسن غريب.
3 - وفي مسند الفردوس عن ابن عمر مرفوعاً "حجوا تستغنوا، وسافروا تصحوا، وتناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم" وفي إسناده ضعف. ورواه البيهقي عن الشافعي، وزاد في آخره "حتى بالسقط".
4 - ورواه البيهقي عن أبي أمامة بلفظ "تزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى" وفي إسناده ضعف.
5 - وعند الدارقطني في المؤتلف، وابن قانع في الصحابة عن حرملة بن النعمان بلفظ "امرأة ولود أحب إلى الله من امرأة حسناء لا تلد، إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" وقد ضعف إسناده ابن حجر، لكنه قال: حديث "إني مكاثر بكم الأمم" صح من حديث أنس، وورد من حديث أبي أمامة والصنابحي.