الحافظ: فإن كان هذا محفوظاً احتمل أن يكون الرهط الثلاثة هم الذين باشروا السؤال، فنسب ذلك إليهم بخصوصهم تارة، ونسب تارة للجميع، لاشتراكهم في طلبه. قال الحافظ: لكن في عبد الله بن عمرو معهم نظر، لأن عثمان بن مظعون مات قبل أن يهاجر عبد الله فيما أحسب.
(فقال بعضهم: لا أتزوج النساء) في رواية البخاري أنهم سألوا أزواجه صلى الله عليه وسلم عن عبادته في بيته "فلما أخبروا كأنهم تقالوها -أي استقلوها، أي رأى كل منهم أنها قليلة- فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم: أما أنا فأعتزل النساء فلا أتزوج أبدا".
(وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش) في رواية البخاري "فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء" وظاهر هذا زيادة عدد القائلين عن ثلاثة، لأن ترك أكل اللحم أخص من مداومة الصيام، واستغراق الليل بالصلاة أخص من ترك النوم على الفراش، ويمكن التوفيق بشيء من التجوز.
(فحمد الله وأثنى عليه) في الكلام حذف، أوضحته عبارة مسلم في بعض الروايات، وفيها "فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه".
(ما بال أقوام قالوا: كذا وكذا؟ ) وفي رواية البخاري "فجاء إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ " والتوفيق بينهما أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم منع من مثل هذا القول جهراً وعموماً، مع عدم تعيينهم، ثم وجههم خصوصاً فيما بينه وبينهم، رفقاً بهم، وستراً عليهم.
(لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء) في رواية البخاري "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء".
(فمن رغب عن سنتي فليس مني) الرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره، والمراد من السنة الطريقة، وليست التي تقابل الفرض، والمعنى من ترك طريقتي، وأخذ بطريقة غيري فليس مني، وألمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد، قال تعالى {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم} [الحديد: 27]. وقد عابهم بأنهم ما وفوا بما التزموه، قال تعالى {فما رعوها حق رعايتها} وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفية السمحة، فليفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل.
ومعنى "فليس مني" أن الرغبة إن كانت بضرب من التأويل يعذر صاحبه فيه فمعناها ليس على طريقتي، ولا يلزم من ذلك أنه يخرج عن الملة، وإن كان إعراضاً وتنطعاً يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله فمعناها ليس على ملتي، لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر.
(رد علي عثمان بن مظعون التبتل) قال النووي: قال العلماء "التبتل" هو الانقطاع عن النساء، وترك النكاح انقطاعاً إلى عبادة الله، وأصل التبتل القطع، ومنه: مريم البتول، وفاطمة البتول،