أما خلافهم في الغراب فهو نتيجة لتعدد أنواع الغراب، قال الحافظ ابن حجر، بعد أن صحح رواية "الغراب الأبقع". قال ابن قدامة: ويلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء وتحريم الأكل.
قال الحافظ: وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب، ويقال له: غراب الزرع، ويقال له: الزاغ، وأفتوا بجواز أكله، فبقي ماعداه من الغربان ملتحقاً بالأبقع.
قال: ومنها "الغداف" على الصحيح، وسماه ابن قدامة "غراب البين" والمعروف عند أهل اللغة أن غراب البين هو الأبقع، قيل: سمي غراب البين لأنه بان عن نوح لما أرسله من السفينة ليكشف خبر الأرض، فلقي جيفة فوقع عليها، ولم يرجع إلى نوح، وكان أهل الجاهلية يتشاءمون به، فأبطل الإسلام ذلك، وقال صاحب الهداية: المراد بالغراب في الحديث الغداف، والأبقع لأنهما يأكلان الجيف، وأما غراب الزرع فلا، وكذا استثناه ابن قدامة، وما أظن فيه خلافاً.
ويحمل على غراب الزرع ما جاء عند أبي داود -إن صح- حيث قال فيه "ويرمي الغراب ولا يقتله".
ومن أنواع الغربان: الأعصم، وهو الذي في رجليه أو في جناحيه أو بطنه بياض أو حمرة، وحكمه حكم الأبقع، ومنها العقعق، وهو قدر الحمامة على شكل الغراب، قيل: سمي بذلك لأنه يعق فراخه فيتركها بلا طعم، والعرب تتشائم به أيضاً، وحكمه حكم الأبقع على الصحيح، وقيل: حكم غراب الزرع، وقال أحمد إن أكل الجيف فكان أبقع، وإلا فلا.
وأما خلافهم في الفأرة فقد نقل ابن شاش عن المالكية خلافاً في جواز قتل الصغير منها، الذي لا يتمكن من الأذى.
وأما خلافهم في الكلب العقور فقد نقل عن سفيان بن عيينة أنه قال: الكلب العقور كل سبع يعقر، ولم يخص به الكلب، وعن أبي هريرة: الكلب العقور الأسد، وعن مالك: هو كل ما عقر الناس وعدا عليهم، مثل الأسد والنمر والفهد، وأما ما كان من السباع لا يعدو مثل الضبع والثعلب وشبههما فلا يقتله المحرم، وإن قتله فداه وحكي عن أبي حنيفة أن المراد به الكلب المعروف خاصة، وألحق به الذئب، وحمل "زفر" الكلب هنا على الذئب وحده وذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء إلى أن المراد كل مفترس غالباً.
واختلف العلماء في الكلب غير العقور، مما لم يؤمر باقتنائه، فذهب بعض الشافعية إلى أنه محترم لا يجوز قتله، وذهب آخرون إلى أنه غير محترم، وذهب جماعة إلى كراهة قتله كراهة تنزيه.
وأما خلافهم في العقرب فقد قال ابن المنذر: لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب، وقال نافع: لما قيل له فالحية؟ قال لا يختلف فيها، وفي رواية ومن يشك فيها. وتعقبه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق شعبة أنه سأل الحكم وحماداً، فقالا -لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب. قال: ومن حجتهما أنهما من هوام الأرض، فيلزم من أباح قتلهما مثل ذلك في سائر الهوام.