(في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم) المفارق جمع مفرق، وهو المكان الذي يفترق في الشعر في وسط الرأس، ولشعر الرأس مفرق واحد غالباً، ولهذا قيل: إنها ذكرته بصيغة الجمع تعميماً لجوانب الرأس التي يفرق فيها الشعر. والظاهر أن مكشوف الشعر في الهواء تتعدد مفارقه بفعل الريح، لهذا ذكرته بصيغة الجمع.
(إن كنت لأنظر) "إن" مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف واللام في خبرها فارقة بينها وبين "إن" النافية، والتقدير: إن الحال والشأن كنت أنظر. فنظرها إلى الوبيص حاصل وواقع، لقولها في الرواية الرابعة عشرة "ثم أرى وبيص الدهن" لكنه لما لم يكن النظر مقصوداً ومتعمداً وهدفاً عبرت عن ذلك بالتشبيه، بقولها في الرواية التاسعة والحادية عشرة، والخامسة عشرة "كأني أنظر ... " وفي الرواية الثانية عشرة "كأنما أنظر" على معنى كأني كنت أنظر في ذلك الوقت، والأولى أن يكون المعنى كأني الآن أو كأنما الآن أنظر ... فكأنها تستحضر الصورة لتؤكد حصولها.
(وهو محرم) ترفع بذلك إيهام أن الطيب كان قبل الإحرام وزال أثره بعد الإحرام وفي الرواية العاشرة "وهو يهل" أي يرفع الصوت بالتلبية، وفي الرواية الحادية عشرة "وهو يلبي".
(ينضخ طيباً) النضخ بالخاء الأثر يبقى في الثوب وغيره من طيب ونحوه قال النووي: وضبطه بعضهم بالحاء المهملة، وهما متقاربان في المعنى.
-[فقه الحديث]-
لا خلاف في استحباب الطيب قبل الإحرام بشرط غسله وإزالة ريحه لحظة الإحرام ولا خلاف في تحريم الطيب على المحرم في الثوب والبدن، على الرجل والمرأة.
وإنما الخلاف في استدامة رائحة الطيب بعد الإحرام في الثوب أو البدن لمن تطيب به قبل الإحرام، وهذه المسألة هي فقه الحديث وجوهره.
فالجمهور على أن المحرم إذا تطيب قبل إحرامه بما شاء من أنواع الطيب مسكاً كان أو غيره فإنه لا بأس به ولا شيء عليه، سواء كان مما يبقى عليه بعد إحرامه أو لا، ولا يضره بقاؤه عليه بعد إحرامه.
قال بذلك أبو حنيفة، وأبو يوسف، والشافعي، وأصحابه، وأحمد، والثوري والأوزاعي وهو قول عائشة -راوية الأحاديث- وقول سعد بن أبي وقاص وابن عباس، وابن الزبير وابن جعفر، وأبي سعيد الخدري، وآخرين، وهذه الأحاديث ظاهرة الدلالة على استحباب الطيب عند إرادة الإحرام، وأنه لا بأس باستدامته بعد الإحرام، وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام.
وقال آخرون يحرم التطيب قبل الإحرام بما يبقى بعد الإحرام، وهو قول مالك والزهري، وعطاء، وهو قول عمر وابنه عبد الله -كما هو صريح قوله في روايتنا السابعة عشرة، والتاسعة عشرة، وخالفهما