والرافعي في "شرح المسند" والنووي في "شرح مسلم"، وكذا وقع في "المدونة" لمالك، وقال الشافعي في "الأم": لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حد "ذات عرق"، وإنما أجمع عليه الناس.
وصحح الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في "الشرح الصغير" والنووي في "المجموع شرح المهذب" أنه منصوص. وحجتهم ما جاء عند مسلم [روايتنا الثامنة] قال الحافظ ابن حجر: إلا أنه مشكوك في رفعه. وقد أخرجه أحمد وابن ماجه مرفوعاً من غير شك لكن في إسنادهما ضعف، وجاء في حديث عائشة، وحديث الحارث بن عمرو السهمي، كلاهما عند أحمد وأبي داود والنسائي، لكن كل طريق لا يخلو عن ضعف، ويحتج بها على اعتبار مجموع طرقها، ويقولون: إن هذا كاف في إثبات أن للحديث أصلاً، ولعل من قال: إنه غير منصوص، لم يبلغه، أو اعتمد أن الحديث ضعيف لا يحتج به باعتبار أن كل طريق لا يخلو عن ضعف.
أما من أعل الحديث بأن العراق لم تكن فتحت يومئذ فهي غفلة منه -كما قال ابن عبد البر- لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكونه علم أنها ستفتح، فلا فرق في ذلك بين الشام وبين العراق.
وقد جاء في بعض الروايات عند أبي داود والترمذي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق "العقيق". ومع أنه ضعيف فقد جمع العلماء بينه وبين ذات عرق أن ذات عرق ميقات الوجوب، والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد عن مكة من ذات عرق وقيل: العقيق ميقات لبعض العراقيين، وهم أهل المدائن وذات عرق ميقات لأهل البصرة.
وسواء أكان ذات عرق ميقاتاً لأهل العراق بالنص، أو باجتهاد عمر رضي الله عنه فقد اتبعه الصحابة، واستمر العمل عليه، فهو جدير وحقيق بلزوم الاتباع. والله أعلم.
-[ويستنبط من مجموعة هذه الأحاديث الأحكام الآتية: ]-
1 - استدل بقول ابن عمر -رضي الله عنهما- في روايتنا السادسة "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .... " إلخ على أن الإحرام من الميقات واجب. قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد هذه المواقيت واجبة، لو تركها وأحرم بعد مجاوزتها أثم ولزمه دم، وصح حجه.
قال الشافعية: فإن عاد قبل التلبس بنسك ركن أو سنة سقط عنه الدم على الصحيح، سواء رجع من مسافة قريبة أو بعيدة، لأنه حينئذ يكون قد قطع المسافة بالإحرام وقال بعضهم: إن عاد قبل أن يبعد عن الميقات مسافة قصر سقط الدم، وإلا فلا.
وقال مالك وأحمد: لا يسقط الدم بالعود، وفي رأي للمالكية: يسقط الدم إن عاد قبل أن يبعد.
وقال أبو حنيفة: إن عاد ملبياً سقط الدم، وإلا فلا.
ويقول الجمهور: الأفضل في كل ميقات أن يحرم من طرفه الأبعد من مكة فلو أحرم من طرفه الأقرب جاز.