كانت إحداهما كذلك، وذات عرق تحاذي قرناً، ولو أوصلنا خطاً بين كل من هذه المواقيت، تمت إحاطة الحرم إحاطة تامة بهذا الخط، وأصبحت كل بقعة من بقاع الأرض لا محالة تمر به، وكل من سلك طريقاً ما براً، أو بحراً، أو جواً لا محالة له ميقات يحرم منه، إما محدد بتحديد رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب الطرق التي كانت معهودة آنذاك، وإما بمحاذة ما حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن سلك طريقاً يمر بالمكان الذي حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم فميقاته الذي عليه أن يحرم منه سواء أكانت فيه مدينة بهذا الاسم أم أقيمت مكانه مدينة باسم آخر أو به، فالعبرة بالمكان، والأسماء الواردة في الأحاديث إنما هي للإعلام عن المكان الذي كان معروفاً به في عهده صلى الله عليه وسلم.
ونعود إلى وجوب التسليم بأوامر الشرع في مناسك الحج، وإن لم تدرك عللها وحكم مشروعيتها، فلا نقول: لماذا قرب من مكة ميقات أهل نجد، وبعد عنها ميقات أهل المدينة؟ ولكن نقول: آمنا بالله وبشرعه الذي أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم. ونسأل الله أن يتقبل منا خالص أعمالنا ودعائنا إنه سميع مجيب.
-[المباحث العربية]-
(وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم) بتشديد القاف، أي حدد، وأصل التوقيت: أن يجعل للشيء وقت يختص به، ثم اتسع فيه، فأطلق على المكان أيضاً، وقيل للموضع ميقات والجمع مواقيت، كمواعيد جمع ميعاد، والمراد هنا: حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المواضع للإحرام بالحج والعمرة.
(لأهل المدينة ذا الحليفة) بضم الحاء وفتح اللام، و"أل" في "المدينة" للعهد، أي مدينته صلى الله عليه وسلم، وصار علماً عليها بالغلبة وكثرة الاستعمال، وأهل المدينة سكانها، وذو الحليفة في طريق المسافر من المدينة إلى مكة، بينها وبين المدينة ستة أميال [نحو تسعة كيلو مترات ونصف] وبينها وبين مكة مائتا ميل وميلان [نحو خمسة وعشرين وثلاثمائة كيلو متر] ويلاحظ أن طرق اليوم ومسافاتها غير هذه الطرق ومسافاتها، والعبرة بالمكان وكان بها مسجد يعرف بمسجد الشجرة، مكانه خرب الآن، وبها بئر يقال له: بئر علي وهي تعرف الآن بآبار علي، وقد أقيم بها مسجد كبير يحرم منه الحجاج والمعتمرون.
والعبرة في هذه المواقيت بالمكان، لا بالاسم، فلو أقيمت مدينة باسم ذي الحليفة في مكان آخر، وأقيم في الموضع مدينة باسم آخر فالعبرة بالمكان.
وفي الرواية الثالثة، والرابعة "يهل أهل المدينة من ذي الحليفة" وفي الرواية الخامسة والثامنة "مهل أهل المدينة ذو الحليفة"، أو "من ذي الحليفة".
و"المهل" بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام موضع الإهلال. قال الحافظ ابن حجر: وأصله رفع الصوت، لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام، ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعاً. قال