وتجردوا من الثياب عند الطواف كمظهر من مظاهر الذلة والخضوع، فلما جاء الإسلام، دين العفة والحياء، جعل للحج شعاراً ولباساً خاصاً، يجمع بين التستر وبين مظاهر العبودية والذلة والخضوع، لباس يستوي فيه الأغنياء المترفون والفقراء البائسون، إزار ورداء ونعلان، مع رأس مكشوفة عارية، وبعد عن الطيب وملاذ الحياة.

إنها رحلة من دار الزينة واللهو واللعب إلى ما يشبه دار الحق وحال الموت، إنها خروج من زينة اللباس والرياش إلى ما يشبه الأكفان، إنها هجرة مؤقتة إلى الله تعالى في أول بيت وضع للناس.

وفي هذه الأحاديث يسأل السائل عما يلبس المحرم؟ فيجاب بما يحرم لبسه، لأنه المحصور، أما ما يلبس فهو غير محصور، يجاب: لا يلبس المحرم القميص المعروف، ولا العمامة ولا السراويل: ولا البرانس، ولا الخفاف، فإن لم يجد نعلين فليلبس الخفين بعد أن يحولهما إلى ما يشبه النعلين، بقطع الجزء الخلفي المحيط بالكعبين، ولا يلبس شيئاً مسه الطيب.

وكان البعض يظن أن الإحرام بالعمرة يختلف في محرماته عن الإحرام بالحج، فسأل المعتمر عن ملابسه، فكان الجواب: افعل في عمرتك من الثياب ما كنت تفعله في حجك، فأمرهما سواء.

-[المباحث العربية]-

(أن رجلاً سأل .... ) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه في شيء من الطرق وقد روي أن ذلك كان في المسجد، فعند البيهقي عن نافع عن ابن عمر، قال: "نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب بذلك المكان -وأشار نافع إلى مقدم المسجد، فذكر الحديث وظهر أن ذلك كان بالمدينة. ووقع في حديث ابن عباس في البخاري في أواخر الحج أنه صلى الله عليه وسلم خطب بذلك في عرفات، فيحمل على التعدد، ويؤيده: أن حديث ابن عمر أجاب به السائل، وحديث ابن عباس ابتدأ به في الخطبة، كما سيأتي في الرواية الرابعة وملحقها.

(ما يلبس المحرم من الثياب؟ ) هذا مشعر بأن السؤال كان قبل الإحرام، وفي طريق عند البخاري "ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام"؟ وعند النسائي "ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا" وأجمعوا على أن المراد بالمحرم هنا الرجل، ولا يلتحق به المرأة في ذلك، وسيأتي: بم يكون الإحرام؟ .

(لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس.) قال البيضاوي: سئل عما يلبس، فأجاب بما لا يلبس، ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما يجوز، قال النووي: قال العلماء: هذا الجواب من بديع الكلام وجزله، أي لا يلبس كذا وكذا، أي ويلبس ما سواه، وإنما عدل عن الجواب الأصلي لأن ما لا يلبس منحصر، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر.

وقد عدل بعض الرواة السؤال، فرووه بالمعنى، ليتطابق مع الجواب، فرواه أحمد وابن خزيمة بلفظ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015