المسجد، فإذا خرج ثم دخل جدد نية أخرى، وليس للاعتكاف ذكر مخصوص، ولا فعل آخر سوى اللبث في المسجد بنية الاعتكاف، ولو تكلم بكلام دنيا، أو عمل صنعة من خياطة أو غيرها لم يبطل اعتكافه، وقال مالك وأبو حنيفة والأكثرون: يشترط في الاعتكاف الصوم، فلا يصح اعتكاف مفطر، واحتجوا بهذه الأحاديث، واحتج الشافعي باعتكافه صلى الله عليه وسلم في العشر الأول من شوال، رواه البخاري ومسلم -وفيها يوم العيد، ولا صوم فيه، وبحديث عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، إني نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية؟ فقال: "أوف بنذرك" رواه البخاري ومسلم، والليل ليس محلاً للصوم، فدل على أنه ليس بشرط لصحة الاعتكاف. اهـ
قال الحافظ ابن حجر: ومن شرط الصيام قال: أقله يوم، ومنهم من قال: يصح مع شرط الصيام في دون اليوم، وعن مالك يشترط عشرة أيام، وعنه يوم أو يومان. قال الحافظ: واتفقوا على فساده بالجماع، حتى قال بعضهم، من جامع فيه لزمته الكفارة. اهـ قال النووي: وأجمعوا على أنه لا حد لأكثره. اهـ
قال الحافظ: ولا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان، وفسروها بالبول والغائط، وقد اتفقوا على استثنائهما، واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب، وقد روى أبو داود عن عائشة قالت: السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة، إلا لما لا بد منه" قال الشافعي: إن شرط شيئاً من ذلك في ابتداء اعتكافه لم يبطل اعتكافه بفعله، وهو رواية عن أحمد. اهـ
قال النووي في المجموع: ولا يصح اعتكاف الحائض والنفساء والجنب، فإذا حاضت وهي معتكفة لزمها الخروج من المسجد، وإذا خرجت سكنت في بيتها، كما كانت قبل الاعتكاف حتى ينقطع حيضها، ثم تعود إلى اعتكافها.
ويجوز خروج المعتكف تطوعاً لعيادة مريض، ويجوز للمعتكف أن يلبس ما يلبسه في غير الاعتكاف، ويجوز أن يتطيب، قال أحمد: يستحب أن لا يلبس رفيع الثياب، ولا يتطيب، وله أن يبيع ويشتري، ويكره أن يكثر من ذلك، وقيل يكره البيع والشراء وعمل الصنائع مطلقاً في المسجد.
ويجوز للمعتكف وغيره أن يأكل في المسجد ويشرب على أن يحافظ على نظافة المسجد، وللمعتكف النوم والاضطجاع والاستلقاء ومد رجليه ونحو ذلك في المسجد ما لم يؤذ غيره، لأنه يجوز ذلك لغير المعتكف فله أولى: كما يجوز له التحدث بالحديث المباح.
وإذا خرج من المسجد لعذر جاز ولا يقطع التتابع، وعليه المبادرة بالرجوع إلى المسجد عند فراغه فإذا زال العذر وتمكن من العود فلم يعد بطل اعتكافه، لأنه ترك الاعتكاف من غير عذر، فأشبه من خرج من غير عذر.
أما ما يستحب للمعتكف من الطاعات فقد قال الشافعي وأصحابه: يستحب أن يقرأ القرآن، ويقرئه غيره، وأن يتعلم العلم، ويعلمه غيره، وذلك أفضل من صلاة النفل، لأن الاشتغال بالعلم فرض