النفس عنه بعد محبته، وهو محال على الله تعالى باتفاق. قال الحافظ ابن حجر: قال الإسماعيلي وجماعة من المحققين، إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازاً، كما قال تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40]. وأنظاره.
وقال القرطبي: وجه مجازه أن الله تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالاً عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشيء باسم سببه، قال: وجنح بعضهم إلى تأويل "حتى" وأنها ليست لانتهاء الغاية، بل لاستحالة ما بعدها، كقولهم: لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب، فالمعنى لا يمل أصلاً.
وقال المازري: إن "حتى" هنا بمعنى الواو، فيكون التقدير: لا يمل وتملون، فنفى عنه الملل، وأثبته لهم، وقيل: "حتى" بمعنى حين. قال الحافظ: والأول أليق، وأجرى على القواعد، وأنه من باب المقابلة اللفظية، ويؤيده ما وقع في بعض الطرق "اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل".
(أحب العمل إلى الله مادام عليه صاحبه وإن قل) قال النووي: بدوام القليل تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله بخلاف الكثير الشاق. اهـ أي فلا تستمر الطاعة به، ثم إن القليل الدائم كثيراً ما يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة، وفي المثل: إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
وقال ابن الجوزي: إنما أحب الدائم لمعنيين: أحدهما، أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل، فهو متعرض للذم، ولهذا ورد الوعيد في حق من حفظ آية، ثم نسيها، وإن كان قبل حفظها لا يتعين عليه. ثانيهما، أن مداوم الخير ملازم للخدمة، وليس من لازم الباب في كل يوم وقتاً ما كمن لازم يوماً كاملاً، ثم انقطع. اهـ وهو كلام جيد نفيس.
(عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول: لأقومن الليل) المتكلم عبد الله، ونسق التعبير: أني أقول، وكأنه جرد من نفسه رجلاً يتحدث عنه.
(ما عشت) "ما" ظرفية دوامية، أي مدة حياتي.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آنت الذي تقول ذلك)؟ الكلام على الاستفهام، وفي الكلام حذف تقديره: فأرسل إلي فجئت إليه فقال: أو فجاءني فقال. ففي الرواية الرابعة والعشرين "فإما ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، وإما أرسل إلي فأتيته، فقال لي ... إلخ" وتقدير هذه الرواية: فإما ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فجاءني وإما أرسل إلي فأتيته، فقال .... إلخ" وفي الرواية السابعة والعشرين "فإما أرسل إلي وإما لقيته، فقال ... " قال الحافظ ابن حجر: الشك من بعض الرواة، وغلط من قال: إن الشك من عبد الله بن عمرو، فقد ثبت ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم قصده إلى بيته، فدل على أن لقاءه إياه كان عن قصد منه