وبناء على هذا الخلاف لو قدم المسافر وعليه يوم من رمضان فصام يوم العيد صح مع الحرمة عند أبي حنيفة خلافاً للجمهور، ومثل ذلك لو نذر صيام يوم مطلق، فصام يوم العيد.
ولو نذر صوم يوم العيد بعينه، كأنه قال: لله علي صوم يوم النحر لا ينعقد نذره، ولا يلزمه صيام أصلاً عند الشافعي والجمهور، وقال أبو حنيفة: ينعقد النذر، ويلزمه صيام يوم غير يوم النحر، فإن صام يوم النحر أجزأه. قال النووي: وخالف أبو حنيفة الناس كلهم في ذلك.
ولو نذر صيام يوم الثلاثاء القادم مثلاً، فوافق يوم النحر، أو نذر أن يصوم الإثنين والخميس مثلاً فوافق أحدهما يوم النحر فالأكثرون على أن النذر لا يلزم، وليس عليه قضاء، لأن لفظه لم يتناول القضاء، وإنما يجب قضاء الفرائض بأمر جديد على المختار عند الأصوليين، وهذا أصح قولين للشافعي كما يقول النووي، وعند الحنفية ينعقد النذر ويلزمه القضاء في غير يوم العيد، فإن صام يوم العيد أجزأه.
وفي رواية عن مالك يقضي إن نوى القضاء، وإلا فلا، وعن الأوزاعي يقضي إلا إن نوى استثناء العيد.
ولما كان حديث ابن عمر [روايتنا الخامسة] في صلب هذه المسألة تنازع مراده من الفتيا العلماء. فقال ابن عبد الملك عن الحنفية: لو كان صومه ممنوعاً منه -لعينه- ما توقف ابن عمر رضي الله عنهما.
وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون ابن عمر أراد أن كلاً من الدليلين يعمل به، فيصوم يوماً مكان يوم النذر ويترك الصوم يوم العيد. اهـ وهو بذلك يميل إلى القائلين بانعقاد النذر ووجوب القضاء.
وذهب جماعة إلى أن مراد ابن عمر عدم انعقاد النذر، وأنه لا يجب عليه صوم، لأن الراجح عند الأصوليين أنه إذا اجتمع الأمر والنهي في محل واحد قدم النهي فكأنه قال: لا تصم. ليس عليك صيام، ولو كان عليه قضاء لذكره، لأنه أمر من نذر أن يمشي في الحج أمره بالركوب عوضاً عن المشي.
وعلة وجوب فطر هذين اليومين تفهم من التعبير في الحديث "بيوم فطركم من صيامكم ويوم تأكلون فيه من نسككم" قال الحافظ ابن حجر: قيل: وفائدة وصف اليومين الإشارة إلى العلة في وجوب فطرهما، وهو الفصل من الصوم، وإظهار تمامه، وتحديده، بفطر ما بعده.
والآخر لأجل النسك المتقرب بذبحه، ليؤكل منه، ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى، فعبر عن علة التحريم بالأكل من النسك.
وأما صوم أيام التشريق فإن روايتنا السابعة والثامنة تصرحان بأنها أيام أكل وشرب، وروى أبو داود والترمذي والنسائي "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب" قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرج أبو داود وابن المنذر وصححه ابن خزيمة والحاكم عن عمرو بن العاص أنه قال لابنه عبد الله في أيام التشريق: "إنها الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومهن، وأمر بفطرهن".