(لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام ولا تخصوا يوم الجمعة) قال النووي: هكذا وقع في الأصول "تختصوا ليلة الجمعة، ولا تخصوا يوم الجمعة" بإثبات تاء في الأول بين الخاء والصاد، وبحذفها في الثاني، وهما صحيحان.
-[فقه الحديث]-
أفرد النووي في شرح مسلم باباً لصوم يومي العيدين، وباباً لأيام التشريق، وباباً ليوم الجمعة، وقد جمعتها تحت باب واحد لما بينها من عامل الاشتراك في منع الصوم وحكمته، وتفادياً للتكرار في المعنى العام.
أما صوم العيدين: فقد قال النووي: أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال، سواء صامهما عن نذر، أو عن تطوع، أو عن كفارة أو غير ذلك. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث تحريم صوم يومي العيد، سواء النذر والكفارة والتطوع والقضاء والتمتع [أي المتمتع في الحج الذي لم يجد هدياً، ووجب عليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله] قال: وهو (أي التحريم) بالإجماع. اهـ.
وتحريم الصوم شيء، وصحة صوم من يصوم مع الحرمة أو عدم صحته شيء آخر، كما أن تحريم الصوم شيء وانعقاد نذر صومه شيء آخر.
ومبنى اختلاف وجهات النظر في ذلك أن النهي عن شيء هل يقتضي عدم صحة المنهي عنه لو وقع؟ أو لا يقتضي عدم الصحة؟
قال الحنفية: إن النهي عن الشيء لا ينفي مشروعية الأصل، ولا يفيد الفساد لو وقع، بل فيه إشارة إلى أن المنهي عنه ممكن الوقوع، وإلا كان النهي عبثاً، فإنك لا تنهى الأعمى عن أن يبصر، وإلا كان أمراً بتحصيل الحاصل، فدل على أن صوم يوم العيد ممكن، وإذا أمكن ثبتت الصحة.
ومثل لهذا الرأي بالنهي عن الصلاة في الدار المغصوبة، فإن الصلاة تصح في ذاتها مع الحرمة.
وجمهور العلماء على أن النهي عن الشيء لذات الشيء يقتضي شرعاً عدم صحة المنهي عنه لو وقع، فصوم الحائض وصلاتها في وقت حيضها فاسد وباطل، لأن المحل في ذاته غير صالح، والظرف غير أهل لأن تقع فيه هذه العبادة، والعبادة في ذاتها لا تصح في هذا الظرف، والعيد ظرف غير أهل لأن يقع فيه الصوم، فالصوم لا يصح إذا وقع فيه، والفرق بينه وبين الدار المغصوبة أن النهي عن الصلاة في الدار المغصوبة ليس لذات الصلاة، بل للإقامة في الدار المغصوبة مطلقاً، بخلاف صوم يوم العيد، فإن النهي فيه لذات الصوم، فهو يشبه صوم الحائض وصلاتها.
والإمكان الذي ذكروه إمكان عقلي، والنزاع في الشرعي، والمنهي عنه شرعاً غير ممكن فعله شرعاً. ذكره الحافظ ابن حجر. ثم قال: ومن الحجج أن النفل المطلق إذا نهي عن فعله لم ينعقد، لأن النهي مطلوب الترك. سواء كان للتحريم أو التنزيه، والنفل مطلوب الفعل، فلا يجتمع الضدان. اهـ.