قال الحافظ ابن حجر: والذي يترجح قول الجمهور، ولكن قد يكون الفطر أفضل لمن اشتد عليه الصوم وتضرر به، وكذلك من ظن به الإعراض عن قبول الرخصة.
وأجاب عن أهل الظاهر بما حاصله:
(أ) عن الآية بأن التقدير: فمن كان مريضاً أو على سفر فأفطر فعدة من أيام أخر، فعدة الأيام الأخر مرتبة على الإفطار، وليست مطلقاً.
(ب) وعن حديث "أولئك العصاة" بأن نسبة الصائمين إلى العصيان لأنه عزم عليهم وأمرهم بالفطر، فخالفوه [روايتنا الرابعة عشر توضح ذلك].
(جـ) وعن قوله صلى الله عليه وسلم "ليس من البر الصيام في السفر" قال: سلك المجيزون فيه طرقاً، قال بعضهم: قد خرج على سبب، فيقصر عليه وعلى من كان في مثل حاله.
قال ابن دقيق العيد: أخذ من هذه القصة أن كراهة الصوم في السفر مختصة بمن هو في مثل هذه الحالة ممن يجهده الصوم، ويشق عليه، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من الصوم من وجوه القرب، فينزل قوله "ليس من البر الصوم في السفر" على مثل هذه الحالة.
وقال ابن المنير في الحاشية: هذه القصة تشعر بأن من اتفق له مثل ما اتفق لهذا الرجل أنه يساويه في الحكم، وأما من سلم من ذلك ونحوه فهو في جواز الصوم على أصله. اهـ وحمل الشافعي نفي البر المذكور في الحديث على من أبى قبول الرخصة، فقال معنى قوله "ليس من البر" أن يبلغ رجل هذا بنفسه في فريضة صوم ولا نافلة، وقد أرخص الله تعالى له أن يفطر وهو صحيح، قال: ويحتمل أن يكون معناه: ليس من البر المفروض الذي من خالفه أثم. وقال الطحاوي: المراد بالبر هنا البر الكامل الذي هو أعلى مراتب البر، وليس المراد به إخراج الصوم في السفر عن أن يكون براً، لأن الإفطار قد يكون أبر من الصوم إذا كان للتقوى على لقاء العدو مثلاً. قال: وهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم" ليس المسكين بالطواف" الحديث؛ فإنه لم يرد إخراجه من أسباب المسكنة كلها، وإنما أراد أن المسكين الكامل المسكنة الذي لا يجد غنى يغنيه، ويستحي أن يسأل، ولا يفطن له.
(د-هـ) بأن ذهاب المفطرين بالأجر، أي بالأجر الأعلى، لأنهم قاموا بخدمة الصائمين وأعانوهم على صيامهم، وليس معنى ذلك عدم الأجر للصائم. وأما حديث "إذا سافرت فلا تصم .... " فإنه يدل على أن الفطر أفضل لمن يحتاج إلى عمل لا يقوى عليه وهو صائم، ويحتاج بذلك مساعدة الآخرين.
(و) وأما قول ابن عمر "من لم يقبل رخصة الله .... إلخ، فهو ظاهر فيمن أعرض عن قبول الرخصة.
(ز) وأما حديث "الصائم في السفر كالمفطر في الحضر" فهو ضعيف وعلى فرض صحته فهو محمول على من أعرض عن قبول الرخصة، أو على من يشق عليه الصيام ويتضرر به، جمعاً بين الأحاديث.
(حـ) وأما أن الفطر آخر الأمرين فهو مدرج وليس من الحديث كما سبق، وأحاديثنا ظاهرة في