يتفضل به على الصائم، ولهذا ورد "من أفطر يوماً من رمضان من غير علة ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه" أي لا يقوم مقام يوم من رمضان صيام العام كل العام وإن صامه ذاك المفطر، وفي رواية "من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله تعالى له لم يقض عنه وإن صام الدهر كله".

وقال عبد الله بن مسعود: لم يجزه صيام الدهر حتى يلقى الله. فإن شاء غفر له، وإن شاء عذبه.

علم الصحابة قدسية شهر رمضان، وعلموا عظم الجريمة في إفطار يوم منه متعمداً بدون عذر، وعلموا أن الإفطار على الجماع في نهار رمضان متوعد عليه، معاقب عليه بكفارة مغلظة: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهريين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.

فتحرزوا من الوقوع في هذه الجريمة الكبرى، لكن أعرابياً وقع فيها، لم يملك نفسه إذ حام حول الحمى، إن الصحابة ابتعدوا عن مقدمات الجماع مخافة أن تجرهم إليه، وكانوا يسألون عن القبلة في نهار رمضان، وكانوا يجابون بما يحضهم على البعد عنها، لقد قالت لهم عائشة "إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل أزواجه في رمضان" لكنها أتبعت ذلك بقولها "وأيكم يملك إربه [أي شهوته] كما يملك الرسول صلى الله عليه وسلم إربه"؟ ويبدو أن هذا الأعرابي لم يملك نفسه حتى وقع، وجاءته الفكرة بعد السكرة، وأفاق من شهوته على إدراك قبح جريرته، فأسرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، يقول: هلكت يا رسول الله، احترقت يا رسول الله، ما أراني إلا قد هلكت؟ وأخذ يشد في شعره وينتفه، وأخذ يدق صدره بيده، ويلطم وجهه ويحثي التراب على رأسه، ويدعو بالويل والثبور على نفسه، ويصيح: احترقت، احترقت. فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك؟ ما شأنك؟ ماذا أصابك؟ ويحك؟ ماذا صنعت؟ وما الذي أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم في رمضان. قال صلى الله عليه وسلم: بئسما صنعت، هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، ليس عندي والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا أستطيع، لا أقدر. وهل لقيت ما لقيت، ووقعت فيما وقعت فيه إلا من الصيام؟ قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا أجد، لا أستطيع أن أطعم ستين مسكيناً والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي.

قال له صلى الله عليه وسلم: اجلس. فجلس الرجل يأمل صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله لهذا الأمر فرجاً، يأمل أن يأتيه الوحي بشيء فيه، أو يأتيه من مال الصدقات ما يسد به عنه.

وكان أن جاء رجل يحمل على حماره زنبيلين: زنبيلاً على يمين حماره وزنبيلاً على يساره، أنزلهما على باب المسجد، فأفرغ أحدهما في الآخر، وقدمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، زنبيل مليء بالتمر، يبلغ خمسة عشر صاعاً، يبلغ ستين مداً، قدمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه صدقة ماله.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الرجل الذي أمرته بالجلوس؟ أين المحترق؟ أين الذي قال آنفاً: احترقت، احترقت؟ فقام الرجل ووقف وأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ هذا التمر فتصدق به على ستين مسكيناً، كفارة لما صنعت، وفكر الرجل: أتصدق به على مساكين؟ ألست أكبر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015