العبادة والتقصير فيما هو أهم منه وأرجح، من وظائف الصلاة والقراءة وغير ذلك، والجوع الشديد ينافي ذلك.
وأجابوا عن أن النهي أريد به الرحمة بأن الرحمة لا تمنع التحريم، وبأن من رحمته لهم أن حرمه عليهم.
وعن أن الصحابة أقدموا على الوصال بعد النهي بأنه يحتاج إلى دليل يعتد به، ومن نسب إليهم الوصال ندرة، بل لم يثبت لأحد من الصحابة سوى عبد الله بن الزبير، ولعله تأول أحاديثه بما لا يوافق عليه.
وعن التسوية في علة النهي بينه وبين تأخير الفطور بأن الشيء قد يشارك آخر في جزء علة، وينفرد بعلل أخرى، فعلة النهي عن الوصال ليست مخالفة النصارى فحسب، بل ما سبق من الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم من وظائف العبادة الأخرى، ومع أنه حرام لا يبطل الصوم كما قال النووي.
القول الرابع: أن الوصال مكروه كراهة تحريم، وعليه كثير من الشافعية، وقد نص الشافعي في الأم على أنه محظور.
ودليله دليل القائلين بتحريمه.
والقول الخامس: أن الوصال مكروه كراهة تنزيه وهو قريب من القائلين بالجواز.
هذا وقد أفاض الحافظ ابن حجر في توجيه قوله صلى الله عليه وسلم "أبيت يطعمني ربي ويسقيني" فقال: قيل: على الحقيقة، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامة له في ليالي صيامه، وتعقبه ابن بطال ومن تبعه بأن لو كان كذلك لم يكن مواصلاً، ولو جاءه الطعام والشراب نهاراً لم يكن صائماً.
ورد العلماء على اعتراض ابن بطال، فقال بعضهم: إن ما يؤتى به الرسول على سبيل الكرامة من طعام الجنة وشرابها لا تجري عليه أحكام المكلفين فيه، كما غسل صدره صلى الله عليه وسلم في طست من الذهب، مع أن استعمال أواني الذهب الدنيوية حرام.
وقال ابن المنير: الذي يفطر شرعاً إنما هو الطعام المعتاد، وأما الخارق للعادة كالمحضر من الجنة فعلى غير هذا المعنى، وليس تعاطيه من جنس الأعمال، وإنما هو من جنس الثواب، كأكل أهل الجنة في الجنة، والكرامة لا تبطل العادة -ثم قال في موضع آخر: هو محمول على أن أكله وشربه في تلك الحالة كحال النائم الذي يحصل له الشبع والري بالأكل والشرب، ويستمر له ذلك حتى يستيقظ، ولا يبطل بذلك صومه، ولا ينقطع وصاله، ولا ينقص أجره. اهـ.
وظاهر هذا التوجيه أن الأكل والشرب ليس حقيقياً، وإنما هو حالة نفسية تنشأ من استغراقه صلى الله عليه وسلم في أحواله الشريفة، حتى لا يؤثر فيه حينئذ شيء من الأحوال البشرية. وقريب