ومعنى الملحق الآخر: الفجر هو الضوء المعترض، وليس الرأسي المستطيل، ومعنى الرواية التاسعة: لا يغرنكم هذا البياض العمودي، حتى يستطير أفقياً وينتشر.
وهل حصلت هذه الإشارات المختلفة في أوقات ووقائع مختلفة؟ أو الوقعة واحدة عبر عنها بتعبيرات مختلفة؟ يحتمل ويحتمل. والله أعلم.
-[فقه الحديث]-
ترجم الإمام النووي لهذه الأحاديث بقوله: باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر، وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام من الدخول في الصوم، ودخول وقت صلاة الصبح وغير ذلك، وهو الفجر الثاني، ويسمى الصادق والمستطير، وأنه لا أثر للفجر الأول في الأحكام، وهو الفجر الكاذب المستطيل كذنب السرحان، وهو الذئب.
علق الإمام النووي بقوله [وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر] يشير إلى ما كان عليه التشريع في أول فرض الصوم، ويصوره لنا البراء بن عازب في حديث أخرجه البخاري، فيقول:
كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار [أي وقت الإفطار بغروب الشمس] فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ويومه حتى يمسي [وفي رواية "كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئاً، ولا يشرب، ليله ويومه حتى تغرب الشمس"، وفي أخرى "كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا لم يفعلوا شيئاً من ذلك، إلى مثلها"] وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً، فلما حضر الإفطار [أي وقته] أتى امرأته، فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا. ولكن أنطلق فأطلب لك. وكان يومه يعمل، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك، فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم .... } ففرحوا بها فرحاً شديداً، ونزلت: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة: 187]. اهـ.
وتأخر نزول قوله تعالى: {من الفجر} عاماً كاملاً، كما قيل: وهذا اللفظ هو الذي يبين ويحدد مراد الله من الخيط الأبيض والخيط الأسود، وبدونه تتجه الأفهام إلى الحقيقة، وهي غير مرادة. فدخلت المسألة في قاعدة تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهي مشهورة في كتب الأصول، وفيها خلاف بين العلماء، بعضهم يمنعه مطلقاً، لما فيه من شبه العبث، ولما فيه من التكلف بما لا يطاق، ويوجه مسألتنا -كما ادعى الطحاوي- بأنها من باب النسخ، وأن الحكم كان أولاً على ظاهره المفهوم من الخيطين، واستدل على ذلك بما نقل عن حذيفة وغيره من جواز الأكل إلى الإسفار. قال الطحاوي: ثم نسخ بعد ذلك بقوله "من الفجر" قال الحافظ: ويؤكد ما قاله ما رواه عبد الرزاق بإسناد رجاله ثقات "إن بلالاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر، فقال: الصلاة يا رسول الله، قد والله أصبحت. فقال: يرحم الله بلالاً، لولا بلال لرجونا أن يرخص لنا حتى تطلع الشمس".