من بني سعد، فتكون بذلك قد عدلت عن الاستعارة إلى التشبيه، وكأنك قلت: رأيت رجلاً من بني سعد كالأسد.

أو البيان واضح بدونها؟ وليس فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة؟ ويكون "من الفجر" تعليلاً؟ أي حتى يتبين لكم الخيط الأبيض لأنه من الفجر؟ .

وهذا القول أقرب، بدليل أنه لم يقع في حمله على الحقيقة قبل نزول "من الفجر" إلا ندرة من الصحابة.

(قال له عدي بن حاتم: يا رسول الله) في بعض النسخ "قال عدي بن حاتم: يا رسول الله" بحذف لفظ "له" وهو واضح لا إشكال فيه. ولكن في أكثر النسخ "قال له عدي بن حاتم" بذكر "له" قال النووي: وكلاهما صحيح، فمن أثبتها أعاد الضمير إلى معلوم، أو إلى متقدم الذكر عند المخاطب.

(إني أجعل تحت وسادتي عقالين) الوسادة المخدة، وهي ما يجعل تحت الرأس عند النوم، والوساد ما يتوسد به، ولو كان التراب، فهو أعم، والعقال بكسر العين الحبل الذي يعقل به البعير، ويطلق على الحبل الذي يضعه بعض العرب على غطاء الرأس، والظاهر أنه المراد هنا، واستخدم عدي العقال ولم يستخدم خيطاً رفيعاً ليتمكن من التمييز بدرجة أسرع.

(أعرف الليل من النهار) أي أعرف بالتمييز بينهما الليل من النهار، فإذا ميزتهما بالضوء قلت في نفسي نحن في النهار، وإذا لم أميزهما قلت: نحن مازلنا في الليل.

(إن وسادتك لعريض) هكذا هو في بعض النسخ، وفي هذا التعبير لم يتطابق الخبر والمبتدأ تذكيراً وتأنيثاً، فيحمل الخبر على معنى المبتدأ لا على لفظه، ويراد من الوسادة الوساد، كما هو في أكثر النسخ.

وفي رواية البخاري في التفسير "إن وسادتك إذاً لعريض"، وفي رواية "إنك لعريض القفا"، وفي رواية أبي داود "فضحك وقال: إن وسادك إذاً لعريض طويل"، وفي رواية أبي عوانة "فضحك وقال: لا. يا عريض القفا".

وقد جزم الزمخشري بأن هذه التعبيرات كناية عن الغفلة وعدم الفطنة، فإنه يكنى عن الأبله بعريض القفا، لأن عرض القفا -إذا زاد- دليل الغباوة والحماقة، فقال: إنما وصف عدي بعريض القفا لأنه غفل عن البيان وعرض القفا مما يستدل به على قلة الفطنة.

فكأن الزمخشري جعل عرض الوسادة كناية عن عرض وعظم الرأس والقفا، وجعل عرض القفا كناية عن عدم الفطنة.

وقد أنكر القاضي عياض والقرطبي وغيرهما ما ذهب إليه الزمخشري، فقال القرطبي: حمل بعض الناس قوله "إن وسادك لعريض" على الذم لعدي بن حاتم على ذلك الفهم، وكأنهم فهموا أنه نسبه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015