هكذا، وأشار بيده من أعلى إلى أسفل يرسم عموداً رأسياً، ولكن الفجر هو الذي يظهر ضوؤه هكذا، وأشار بأصابع يديه نحو اليمين والشمال يرسم خطاً أفقياً ممتداً منتشراً.
وهكذا وضحت الشريعة وقت الإمساك، وهكذا رحم الله الأمة وخفف عنها وعفا عنها هو مولاها ونعم النصير.
-[المباحث العربية]-
(عن عدي بن حاتم "لما نزلت") في الكلام حذف، تقديره: عن عدي بن حاتم قال: "لما نزلت .... " وظاهر العبارة أن عدي بن حاتم حضر نزول الآية مسلماً وفعل ما فعل حين نزولها، والواقع غير ذلك، فقد أسلم في السنة التاسعة أو العاشرة من الهجرة، والآية نزلت تشريعاً للصوم الذي فرض في أوائل الهجرة؟ .
وقد أجاب الحافظ ابن حجر عن هذا الإشكال بعدة أجوبة. فقال: إما أن يقال: إن الآية تأخر نزولها عن نزول فرض الصوم، وهو بعيد جداً، وإما أن يؤول قول عدي هذا على أن المراد بقوله "لما نزلت" أي لما تليت علي عند إسلامي، أو لما بلغني نزول الآية، أو في السياق حذف، تقديره لما نزلت الآية، ثم قدمت وأسلمت وتعلمت الشرائع حصل كذا وكذا، وقد روى أحمد عن عدي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة والصيام فقال: صل كذا، وصم كذا، فإذا غابت الشمس فكل حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود. قال فأخذت خيطين ... الحديث. اهـ.
(حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) "حتى" غاية لإباحة الأكل والشرب، و"يتبين" بتشديد الياء كذا للأكثر، ولبعض الرواة "حتى يستبين" فالسين والتاء للصيرورة، أي حتى يصير بيناً وظاهراً عن طريق العين والرؤية، وحقيقة الخيط معروفة، واستعمال الخيطين في الليل والنهار كان شائعاً في الجاهلية قبل الإسلام.
وهو من قبيل الاستعارة، بتشبيه لون البياض أو الضوء الذي يعترض في الأفق في وسط ظلمة الليل بالخيط الأبيض، والسواد الممتد حوله من غبش الليل بالخيط الأسود، وهذا هو المراد من الآية.
لكن اشتبه هذا المراد على بعض الصحابة، فحملوه على الحقيقة. قال النووي: فعل ذلك من لم يكن ملازماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو من الأعراب ومن لا فقه عنده، ومن لم يكن من لغته استعمال الخيط في الليل والنهار.
(من الفجر) قيل تأخر نزولها عما قبلها سنة، وهل هي التي بينت المراد من الخيط الأبيض والخيط الأسود، فيكون من تأخير البيان مع الحاجة إليه ومع بقاء التكليف؟ وتدخل في دائرة اختلاف الأصوليين الذي سنعرضه في فقه الحديث؟ وتكون "من الفجر" حولت الكلام من الاستعارة إلى التشبيه بإظهار المشبه، كما تقول: رأيت أسداً في الحمام، ثم تتبع ذلك بقولك: رجلاً