حكاه ابن المنذر عن الليث والشافعي وأحمد، وقال: ولا أعلمه إلا قول المدني والكوفي يقصد بهما مالكاً وأبا حنيفة (انظر المجموع للنووي).
ومن هذا العرض يتضح أن في الأمر اتساعاً؛ بل في العمل بالحساب متسع أيضاً، وبالأخذ بأي قول من أقوال العلماء قبول إن شاء الله.
لكن الذي نحب أن ننبه عليه أن لا ترتبط الفتوى بالسياسة، نرضى عن سياسة دولة فنأخذ برؤيتها ونحكم بالصوم، ونختلف معها فلا نأخذ برؤيتها، ونرجئ الصوم فنتبع آخرتنا لهوانا، ونحول ديننا إلى نوازعنا، ونربط شريعتنا بزوابع هي غنية عنها وبريئة منها. والله المستعان.
الشعبة الثالثة: صوم يوم الشك، وهو اليوم الذي يعقب التاسع والعشرين من شعبان ويسمى يوم الشك حين لا نجزم أنه من شعبان، أو من رمضان، أما حين الجزم أنه من رمضان فالأمر ظاهر. وصيامه واجب، وحين الجزم بأنه من شعبان فظاهر الرواية السابعة عشرة يمنع صيامه، إذ لفظها: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه".
قال النووي: في هذا الحديث التصريح بالنهي عن استقبال رمضان بصوم يوم ويومين، لمن لم يصادف عادة له، أو يصله بما قبله، فإن لم يصله ولا صادف عادة له فهو حرام. هذا هو الصحيح في مذهبنا، لهذا الحديث وللحديث الآخر في سنن أبي داود وغيره: "إذا انتصف شعبان فلا صيام حتى يكون رمضان" فإن وصله بما قبله أو صادف عادة له، كمن كانت عادته صوم يوم الاثنين مثلاً، فصادفه فصامه تطوعاً بنية ذلك جاز، لهذا الحديث، وسواء في النهي عندنا لمن لم يصادف عادته ولا وصله يوم الشك وغيره، فيوم الشك داخل في النهي. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: ويلتحق بالوصل والعادة القضاء والنذر، لوجوب الوفاء بهما بالأدلة القطعية، ولا يبطل القطعي بالظن، ثم عرض للحكمة في منع الصوم قبل رمضان، فقال: والحكمة فيه التقوى بالفطر لرمضان، ليدخل فيه بقوة ونشاط، وقيل: الحكمة فيه خشية اختلاط النفل بالفرض، وفيه نظر، لأنه يجوز لمن له عادة. وقيل: لأن الحكم علق بالرؤية، فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم، وهذا هو المعتمد. اهـ.
وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان، قال الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان. اهـ وهذا الذي قاله إنما يصح لو أن النهي عن التقدم بيوم فقط، أما التقدم بيومين فلا يتأتى فيه قصد الاحتياط.
والذي تستريح إليه النفس أن النهي عن استقبال رمضان بصوم إنما أريد به استقباله بما يليق به من قدسية وفضل وميزة عن بقية الشهور، يضعف وصله بغيره من بهجتها ورونقها وانشراح النفس واستعدادها لاستقبال ما تفتح له الجنان، وتغلق له النيران، وتصفد له مردة الشياطين وتضاعف فيه الحسنات إلخ. وأما الاحتياط فيتصور في يوم الشك نفسه، ولمعنى الشك في كونه من رمضان، وفيه