ولو منعت بنو هاشم حقهم من خمس الخمس بأن انقطع سهمهم من الخمس لخلو بيت المال من الفيء والغنيمة، أو لاستيلاء الظلمة واستبدادهم بها، جاز أخذهم من الزكاة عند بعض العلماء، أما عند الجمهور، وهو الأصح عند الشافعية فإنها لا تحل، لأن الزكاة حرمت عليهم لشرفهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى لا يزول بمنع الخمس، وقيل: إن منعوا حقهم من الخمس جاز الدفع إليهم من الزكاة، لأنهم إنما حرموا الزكاة لحقهم في خمس الخمس، فإذا منعوا الخمس وجب أن يدفع إليهم من الزكاة، وقيد بعضهم إعطاءهم من الزكاة بحال الضرورة كسائر المحرمات.

هذا. ويفرق بعضهم بين الزكاة المفروضة والصدقة المندوبة، فبعض الحنفية وبعض المالكية وفي رواية عن أحمد، وفي وجه عند الشافعية: أن الصدقة على وجه الصلة والتطوع يجوز إعطاؤها لبني هاشم بخلاف الزكاة المفروضة، قالوا: لأنهم منعوا الزكاة لأنها من أوساخ الناس، وصدقة التطوع ليست كذلك، وبعض المالكية يجوزون إعطاء الزكاة المفروضة لبني هاشم دون صدقة التطوع، بدعوى أن الواجب حق لازم، لا يلحق بأخذه ذلة، بخلاف التطوع.

والراجح من هذه الأقوال المنع من غير تفريق بين الواجبة والمندوبة، فأحاديث الباب عامة في الصدقة "أما علمت أنا لا نأكل الصدقة"؟ "أنا لا تحل لنا الصدقة"، "لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها". فهذا كله يرجح عدم التفرقة بين الصدقة الواجبة والمندوبة، والله أعلم.

وحكي عن أبي يوسف والحنابلة أنها لا تحل من بعضهم لبعض، ولا تحل لهم من غيرهم. ورجح ابن تيمية أنه يجوز لبني هاشم. الأخذ من زكاة الهاشمين، قالوا: إن موجب المنع رفع يد الأدنى عن الأعلى، فأما الأعلى على مثله فلا.

والتحقيق أنه لا فرق بين صدقة الهاشمي وصدقة غيره، وعموم الأحاديث تؤكد ذلك، ولم يثبت أن هاشمياً أخذ الزكاة من هاشمي. قال الطبري عن مقالة أبي يوسف: لا القياس أصاب، ولا الخبر اتبع، وذلك أن كل صدقة وكل زكاة أوساخ الناس، وغسالة ذنوب من أخذت منه، هاشمياً أو غيره. ولم يفرق الله ولا رسوله بين شيء منها بافتراق حال المأخوذ منه.

أما موالي بني هاشم، أي عتقاؤهم فقد ذهب أبو حنيفة وأحمد وابن الماجشون المالكي وبعض الشافعية إلى أن الزكاة تحرم عليهم، لحديث أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع: [وهو من موالي بني هاشم] اصحبني كيما تصيب منها. فقال: حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسأله. فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "إنا لا تحل لنا الصدقة، وإن موالي القوم منهم". أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حسن صحيح.

وقال الجمهور: يجوز لهم أخذ الصدقة، لأنهم ليسوا منهم حقيقة، ولذلك لم يعوضوا بخمس الخمس.

قال الحافظ ابن حجر: ومنشأ الخلاف قوله: "منهم" هل يتناول المساواة في حكم تحريم الصدقة؟ أو لا؟ ويرى الجمهور أنه لا يتناول جميع الأحكام، فلا دليل فيه على تحريم الصدقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015