-[فقه الحديث]-
تتناول هذه الأحاديث موضوعين أساسيين: إعطاء المؤلفة قلوبهم، والتحريض على قتل الخوارج.
ولأدنى مناسبة نظم الإمام مسلم أحاديث المؤلفة قلوبهم مع أحاديث الزكاة، ربما لأنها تشتمل على سؤال العطاء، أو الحرص عليه، وربما لأن للمؤلفة قلوبهم نصيباً من الزكاة يشبه نصيبهم من الفيء، فساق أحاديثهم في الفيء، ولم يصح عنده حديث لهم في الزكاة.
ولضعف المناسبة وجدنا الإمام البخاري لا يذكر هذه الأحاديث في كتاب الزكاة، وإنما يذكرها في كتاب فرض الخمس، باب قسمة الإمام.
أما الموضوع الثاني فيكاد يكون استطراداً عن الموضوع الأول، لأدنى ملابسة، وهي أن رأساً من رءوس الخوارج اعترض على قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عطاء بين أربعة من المؤلفة قلوبهم.
ولضعف هذه الملابسة وجدنا الإمام البخاري يذكر هذه الأحاديث في كتاب اشتباه المرتدين، باب قتال الخوارج والملحدين.
وسنعتبر الأحاديث من رقم (1) إلى نهاية رقم (14) خاصة بالموضوع الأول، والأحاديث من رقم (15) إلى النهاية خاصة بالموضوع الثاني والله الموفق. إعطاء المؤلفة قلوبهم
المسألة الأساسية في المجموعة الأولى من الأحاديث إعطاء المؤلفة قلوبهم، وهل كان يعطيهم صلى الله عليه وسلم من أصل الغنيمة؟ أو من الخمس؟ .
والأحاديث الخمسة الأولى لا توهم العطاء من أصل الغنيمة، فلا إشكال بالنسبة لها، وإنما الإشكال في إعطائه صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم من غنائم هوازن. فقال القرطبي في "المفهم": الإجراء على أصول الشريعة أن العطاء المذكور كان من الخمس، ومنه كان أكثر عطاياه، وقد قال للأعرابي في هذه الغزوة: "ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس مردود فيكم"، أخرجه أبو داود والنسائي. والذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي. ويذهب الطبري هذا المذهب فيقول: استدل بهذه الأحاديث من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي من أصل الغنيمة لغير المقاتلين، قال: وهو مردود، بدليل القرآن والآثار الثابتة.
ويميل القاضي عياض إلى هذا فيقول: ليس في هذه الأحاديث تصريح بأنه صلى الله عليه وسلم أعطاهم قبل إخراج الخمس، وأنه لم يحسب ما أعطاهم من الخمس، قال: والمعروف في باقي الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم إنما أعطاهم من الخمس، ففيه أن للإمام صرف الخمس، وتفضيل الناس فيه، على ما يراه، وأن يعطي الواحد منه الكثير، وأنه يصرفه في مصالح المسلمين، وله أن يعطي الغني منه لمصلحة. اهـ كذلك اختار أبو عبيد أنه كان من الخمس.