والمدعو إليه من المرأة مبهم في الحديث، ذكر العلماء فيه احتمالين. الأول: أنه يحتمل أنها دعته إلى نكاحها والزواج بها، فخاف العجز عن القيام بحقها، أو خاف مسئولية حمايتها من انحرافها، أو خاف الانشغال بالتمتع بها وشهوتها عن حقوق الله تعالى وطاعته.

الاحتمال الثاني -وهو المشهور والأصح- أنها دعته إلى الزنا بها.

(ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) قال النووي: هكذا وقع في جميع نسخ مسلم في بلادنا وغيرها، وكذا نقله القاضي عياض عن جميع روايات نسخ مسلم "حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله"، والصحيح المعروف "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه". هكذا رواه مالك في الموطأ والبخاري في صحيحه -وترجم له بباب الصدقة باليمين- وغيرهما من الأئمة، وهو وجه الكلام، لأن المعروف في النفقة فعلها باليمين. قال القاضي: ويشبه أن يكون الوهم فيها من الناقلين عن مسلم، لا من مسلم، بدليل إدخاله بعده حديث مالك رحمه الله -وقال: بمثل حديث عبيد الله، وبين الخلاف بين الروايتين بقوله: وقال: "ورجل معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه". فلو كان ما رواه مخالفاً لرواية مالك لنبه عليه على هذا الاختلاف. (راجع لفظ وسند الرواية رقم (57) وملحقها فيما سبق عند ذكرنا للنصوص).

وقال بعض العلماء: ذكر اليمين والشمال مبالغة في الإخفاء والاستتار بالصدقة، وضرب المثل بهما لقرب اليمين من الشمال، وملازمتها لها، من غير قصد أيهما تعطي وأيهما تعلم، بل ربما كان في رواية "حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله". لو صحت أبلغ في هذا المراد، على معنى أن اليمين المتخصصة في العطاء العليمة بمداخله ومخارجه لا تعلم عطاء الشمال لمبالغتها في الإخفاء. ونقل القاضي عن بعضهم أن المراد من عن يمينه وشماله من الناس. قال: والصواب الأول.

(ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) "ذكر" من الذكر بكسر الذال فهو باللسان، أو من الذكر بضم الذال فهو بالقلب، والمراد "خالياً" أي بعيداً منفرداً، أو خالياً من الالتفات إلى غير الذكر، ولو كان في ملإ وهو منصوب على الحال. ومعنى "فاضت عيناه" امتلأتا بالدمع حتى فاض عنها، فالفائض هو الدمع لا العين. ففيه مجاز الحذف، ففاض دمع عينيه، وأسند الفيض إلى العين مبالغة، حيث جعلت العين من فرط البكاء كأنها نفسها تفيض.

الرواية (58، 59)

(أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تسميته ويحتمل أن يكون أبا ذر، ففي مسند أحمد أنه سأل: أي الصدقة أفضل؟ .

(أي الصدقة أعظم) في الرواية التالية: "أي الصدقة أعظم أجراً"، وفي رواية للبخاري وملحق روايتنا الثانية "أي الصدقة أفضل" أي عند الله.

(أن تصدق وأنت صحيح شحيح) "أن تصدق" بتشديد الصاد، وأصله تتصدق فأبدلت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015