واشتد عليهم حرها، وأخذهم العرق، ولا ظل هناك لشيء إلا للعرش، وقد يراد به هنا ظل الجنة، وهو نعيمها والكون فيها، كما قال تعالى: {وندخلهم ظلاً ظليلاً} [النساء: 57] قال القاضي: وقال ابن دينار: المراد بالظل هنا الكرامة والكنف، والكف من المكاره في ذلك الموقف، قال: وليس المراد ظل الشمس. قال القاضي: وما قاله معلوم في اللسان، يقال: فلان في ظل فلان، أي في كنفه وحمايته. قال: وهذا أولى الأقوال، وتكون الإضافة إلى العرش لأنه مكان التقريب والكرامة، وإلا فالشمس وسائر العالم تحت العرش وفي ظله.

(الإمام العادل) خبر لمبتدأ محذوف، تقديره أحدهم الإمام العادل. قال القاضي: هو كل من وكل إليه نظر في شيء من مصالح المسلمين من الولاة والحكام وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه، وفي بعض النسخ "الإمام العدل" وهما صحيحان.

(وشاب نشأ بعبادة الله عز وجل) والمشهور في روايات هذا الحديث "نشأ في عبادة الله" قال النووي: وكلاهما صحيح، ومعنى رواية الباء نشأ متلبساً للعبادة فالباء للملابسة، أو مصاحباً لها، فالباء للمصاحبة. اهـ والظاهر أن المراد بالشاب هنا من لم يجاوز الأربعين، وبالعبادة مطلق الطاعة، وبنشأته فيها أن تغلب طاعته على معصيته في أول أمره.

(ورجل قلبه معلق في المساجد) قال النووي: هكذا هو في النسخ كلها "في المساجد" وفي بعض الروايات "بالمساجد" وفي بعضها "متعلق" والكل صحيح، ومعناه شديد الحب للمساجد والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه دوام القعود في المسجد، فتعلق قلبه بالمسجد حبه له، حتى إذا خرج منه، يؤكد هذا المعنى حديث "ورجل معلق بالمسجد، إذا خرج منه يعود إليه".

(ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) وفي رواية "اجتمعا على ذلك، وتفرقا عليه" فالإشارة والضمير في "عليه" يعود على الحب في الله. والمعنى: اجتمعا على حب الله. وافترقا على حب الله، أي كان سبب اجتماعهما حب الله، واستمرا على ذلك حتى تفرقا -من مجلسهما، أو من شركتهما، أو علاقاتهما، أو من حياتهما- أي انتهى اجتماعهما، وحب الله مصاحب افتراقهما.

فكلمة "في" للسببية، مثلها في حديث "دخلت امرأة النار في هرة حبستها". أي بسبب هرة إلخ. و"تحابا" أصله تحاببا، أدغم أول المثلين في ثانيهما، والتفاعل حب من الجانبين.

(ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله) ذات المنصب هي صاحبة الحسب والنسب الشريف والمال الوفير، وخصت هنا ذات المنصب والجمال لكثرة الرغبة فيها من الرجال، وعسر وصولهم إليها، فكيف إذا كانت هي الداعية إلى نفسها، موفرة مشاق ومحاولة السعي إليها، فالصبر عنها لخوف الله تعالى مع هذه المغريات والدوافع من أكمل المراتب وأعظم الطاعات.

أما قوله: "إني أخاف الله" فيحتمل أنه يقولها بلسانه، ويحتمل أن يقولها بقلبه ليزجر نفسه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015