(ولا فيما دون خمس ذود صدقة) الذود بفتح الذال وسكون الواو من الثلاثة إلى العشرة عند الأكثر، وقيل: إلى التسعة وهي كالنفر والرهط، لا واحد لها من لفظها، ولفظ "خمس" هنا بدون تاء. قال سيبويه: تقول ثلاث ذود، لأن الذود مؤنث. وقال النووي: رواه بعضهم "خمسة ذود" وكلاهما لرواة كتاب مسلم، والأول أشهر، وكلاهما صحيح في اللغة لانطلاقه على المذكر والمؤنث. اهـ والمنقول أنه مؤنث. فإثبات التاء في خمسة على المعنى والتأويل، وحكى في "خمس ذود" تنوين "خمس" على جعل "ذود" بدلاً منه، والمعروف إضافة "ذود" إلى "خمس" والإضافة بيانية، أي خمس هي ذود، كما تقول ثلاثة نفر، أي ثلاثة هم نفر. وتمييز العدد هنا محذوف، والأصل خمس من الإبل، أو ذود من الإبل كما صرح به في الرواية الخامسة.
(ولا فيما دون خمس أواق صدقة) تمييز العدد محذوف، صرح به في الرواية الخامسة "من الورق". قال النووي: هكذا هو في الرواية الأولى "أواقي" بالياء، وفي باقي الروايات "أواق" بحذف الياء، وكلاهما صحيح. قال أهل اللغة: الأوقية بالهمزة وتشديد الياء جمعها أواقي بتشديد الياء، وأواقي بتخفيف الياء، وأواق بحذفها: قال ابن السكيت في الإصلاح: كل ما كان من هذا النوع، واحده مشدداً جاز في جمعه التشديد والتخفيف، ومنه السرية والسراري.
ثم قال النووي: وأجمع أهل الحديث والفقه وأئمة أهل اللغة على أن الأوقية الشرعية أربعون درهماً، وهي أوقية الحجاز. قال القاضي عياض: ولا يصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوجب الزكاة في أعداد منها، ويقع بها البيوعات والأنكحة، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة. قال: وهذا يبين أن قول من زعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمان عبد الملك بن مروان، وأنه جمعها برأي العلماء، وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل، ووزن الدرهم ستة دوانق، قول باطل، وإنما معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام وعلى صفة لا تختلف، بل كانت مجموعات من ضرب فارس والروم، وكانت صغاراً وكباراً، وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة، ويمنية ومغربية، فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه، وتصييرها وزناً واحداً لا يختلف، وأعياناً، ليستغنى فيها عن الموازين، فجمعوا أكبرها وأصغرها وضربوه على وزنهم.
قال القاضي: ولا شك أن الدراهم كانت حينئذ معلومة، وإلا فكيف كانت تعلق بها حقوق الله تعالى في الزكاة وغيرها؟ وحقوق العباد؟ ولهذا كانت الأوقية معلومة.
قال النووي: هذا كلام القاضي. وقال أصحابنا: أجمع أهل العصر الأول على التقدير بهذا الوزن المعروف، وهو أن الدرهم ستة دوانق، وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، ولم يتغير المثقال في الجاهلية والإسلام. اهـ.
هذا، ولتحديد الأوقية ونصاب الفضة والذهب بحوث مستفيضة وآراء متشعبة عرض كثير منها الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه -فقه الزكاة- وانتهى إلى أن الدرهم 2.975 من الجرامات، فنصاب الفضة (595) خمسة وتسعون وخمسمائة من الجرامات المعروفة في زماننا.