بابن جميل وقد أغناه الله بعد فقر، آتاه من الإبل والبقر والغنم ما شاء، طالبه عمر بحق الفقراء، فبخل وتولى وأعرض وامتنع عن الدفع، ونصحه عمر فلم يسمع لنصح. تحول عمر إلى خالد بن الوليد الفارس المشهور سيف الله المسلول، فوجد عنده خيلاً كثيرة، وأسلحة وفيرة، فطالبه بزكاتها؛ فقال خالد: لقد حبستها للجهاد. فأصر عمر على أخذ زكاتها، فلم يستجب خالد. فانصرف إلى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وعنده مال كثير، طلب منه الزكاة فاعتذر له. فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو ثلاثتهم، فغضب صلى الله عليه وسلم على ابن جميل وقال: كيف ينسى أنه كان فقيراً فأغناه الله؟ واعتذر عن خالد والعباس. أما خالد فلا زكاة على ماله الذي حبسه في سبيل الله. وأما العباس فهو عمي والعم كالوالد وأنا أتحمل وألتزم عنه ما لزمه ومثله معه، لكنه قد أسلفنا زكاة ماله عامين، هذا العام والعام القابل.
وعلم الصحابة والمسلمون أن الزكاة لا عذر لأحد في عدم أدائها ولو كان عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-[المباحث العربية]-
(ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) أي زكاة، أي ليس في ذلك قدر محدد مفروض شرعاً. والصدقة في الشرع وإن كانت تطلق على الزكاة الواجبة وعلى العطاء المتطوع به، بل شاعت عرفاً في التطوع، لكنها هنا مراد بها الزكاة المفروضة، والشرع يستعملها كثيراً كذلك، قال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103]، وقال: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين ... } [التوبة: 60].
"والأوسق" جمع وسق بفتح الواو وكسرها، لغتان، والفتح أشهر، ويجمع كذلك على "أوساق" كما هو لفظ الرواية الثالثة، والوسق: مكيال للحبوب كان يستخدم في العصر الأول، ويقدر بستين صاعاً، والصاع: مكيال كان معروفاً ومستعملاً أيضاً، ويقدر بأربعة أمداد. والمد كذلك مكيال، ويقدر بملء كفين لإنسان معتدل الخلقة، وقد اختلف مسمى هذه المكاييل في العراق عنها في المدينة، فصاع المدينة خمسة أرطال وثلث الرطل بالبغدادي، وصاع العراق ثمانية أرطال بالبغدادي، وسواء كان المكيالان مختلفين حجماً على الحقيقة، أم متساويين حجماً، والخلاف لفظي سببه اختلاف وزن الأرطال، أو قدر قوم المكيل بموزون أثقل، والآخر بموزون أخف. سواء أكان هذا أم ذاك فالذي يعنينا تقدير النصاب بما هو معلوم لنا في العصر الحديث، وقد قدره عالم موثوق به بأربعمائة قدح، وهي أربعة أرادب وويبة بالكيل المصري، فالكيلة المصرية على هذا ستة آصع، وهي تساوي أربعة وعشرين مداً.
والنصاب بالوزن أربعون وأربعمائة وألف رطل من القمح، ويوازي ثلاثة وخمسين وستمائة كيلو جراماً تقريباً، فالصاع بالوزن (2.6) كيلو جراماً.
وهذه المقادير تقريبية إذ بعض الحبوب أثقل من بعض، وبعض حفنات الرجال تغاير حفنات البعض.