زيارتهن للاعتبار من غير تعديد ولا نياحة كره، إلا أن تكون عجوزاً لا تشتهى فلا يكره كحضور الجماعة في المساجد. اهـ واستحسنه الإمام النووي، ثم قال: ومع هذا فالاحتياط للعجوز ترك الزيارة لظاهر الحديث. اهـ.
والذي تميل إليه النفس أن زيارة النساء للقبور بدافع الاعتبار والدعاء والاستغفار لا تكره مطلقاً لذاتها، أما إذا لابسها شيء من الممنوعات شرعاً منعت بالدرجة التي بها الملابس كراهة أو تحريماً، فروايتنا الثالثة عشرة وفيها عائشة تسأل عما تقول عند زيارتها القبور؟ وفيها تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم ما تقول: "قولي: السلام عليكم أهل الديار ... إلخ". دليل واضح على المشروعية، وأقلها الجواز وعدم الكراهة. ثم إن المرأة التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تبكي ولدها عند القبر لم ينهها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزيارة، وإنما أمرها بالصبر. مما يؤكد ما ذهبنا إليه من عدم الكراهة، والله أعلم.
قال النووي: قال أصحابنا: ويستحب للزائر أن يسلم على أهل المقابر ويدعو لمن يزوره ولجميع أهل المقبرة، والأفضل أن يكون السلام والدعاء بما ثبت في الحديث، ويستحب أن يقرأ من القرآن ما تيسر، ويدعو لهم عقبها. ونص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب، ولا يستلم القبر بيده، ولا يقبله ولا يمسح القبر، ولا يمسه، فإن ذلك عادة النصارى. وقد صح النهي عن تعظيم القبور، وصح في ذلك الوعيد الشديد.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم: ]-
1 - يؤخذ من الرواية الأولى تفضيل اللحد على القبر، وقد مضى الكلام عليه.
2 - وأخذ منها البغوي من الشافعية جواز فرش مثل القطيفة في القبر.
قال النووي: وهذا شاذ ونص الشافعي وجميع الأصحاب وغيرهم من العلماء على كراهته، وقد مضى الحديث في ذلك.
3 - ويؤخذ من الرواية الرابعة وجوب تحطيم التماثيل وطمسها على المقابر أو بعيدة عنها.
4 - ويؤخذ من الرواية الخامسة والسابعة منع الجلوس على القبر.
قال النووي: وكذا الاستناد إليه والاتكاء عليه، كل ذلك مكروه عندنا وعند أبي حنيفة وأحمد. وقال مالك: لا يكره.
5 - ومن الرواية الخامسة النهي عن البناء على القبور. قال النووي: البناء على القبر إن كان في ملك الباني فمكروه، وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام. قال الشافعي في الأم: ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى.
6 - ومن الرواية الثامنة والتاسعة النهي عن الصلاة إلى القبر، أي جعله في قبلة المصلى.
7 - ومن الرواية الثالثة عشرة طبيعة الغيرة في النساء، وأن ما يجري بدافعها في حدود مغتفر.