سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، ثم يظل واقفاً يقرأ الفاتحة وقرآناً قريباً مما قرأ في القيام الأول، ثم يركع ركوعاً طويلاً يقرب من قيامه الثاني يسبح فيه ويحمد، ثم يرفع من الركوع قائلاً: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد.
ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم للركعة الثانية فيعمل فيها مثل ما عمل في الركعة الأولى، ثم يتشهد ويسلم، ركعتان في كل ركعة ركوعان طويلان وقيامان طويلان، وأحياناً كان يزيد ركوعاً وقياماً فتكون الركعتان في كل منهما ثلاثة من القيام وثلاثة من الركوع، وأحياناً كان يزيد ركوعاً رابعاً فيكون في الركعتين ثمانية من القيام، وثمانية من الركوع، وغاية ما وصلت إليه الزيادة خمسة من القيام وخمسة من الركوع في كل من الركعتين، أما السجود فلم يكن يتغير عن سجود الصلاة.
ثم يخطب الناس، ويحمد الله ويثني عليه ويدعوه ويكثر من دعائه، ويذكر الناس: بقدرة الله ووحدانيته ونعمه التى لا تحصى، ويحذرهم من العقائد الفاسدة في هذه الظاهرة، فإن الشمس والقمر مخلوقان لله، مسيران بأمر الله، مذللان لقانون الله، لا تأثير للبشر وأحداثهم فيهما، فلا ينكسفان لموت عظيم ولا لحياته. هكذا حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم قولة بعض المسلمين يوم مات ابنه إبراهيم فكسفت الشمس، فقالوا: كسفت لموت إبراهيم. وهكذا بين صلى الله عليه وسلم أن موت ابنه كموت بقية البشر، ونقى عقائد المسلمين من الخرافات والأوهام.
-[المباحث العربية]-
الكسوف والخسوف
(خسفت الشمس) وفي كثير من الروايات الآتية "كسفت الشمس" يقال: كسف الشمس وكسفت الشمس، بفتح الكاف والسين، وكسف وكسفت، بضم الكاف وكسر السين، وانكسف وانكسفت الشمس. كما يقال: خسف الشمس وخسفت، بفتح الخاء والسين، وخسف الشمس وخسفت، بضم الخاء وكسر السين، وانخسف وانخسفت الشمس.
ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف، لأن الكسوف التغير إلى سواد، والخسوف النقصان أو الذل، ومن الواضح أن ظاهرة الكسوف أو الخسوف للشمس والقمر يجتمع فيها الأمران، التغير إلى سواد ونقصان الضوء أو زواله.
لكن العلماء -والفقهاء منهم خاصة- اختلفوا في استعمال كل من اللفظين، فاشتهر عن كثير منهم استعمال الكسوف للشمس، والخسوف للقمر ويستأنسون بقوله تعالى: {وخسف القمر} [القيامة: 8]. وحكى القاضي عياض عن بعضهم عكس ذلك، أي استعمال الخسوف للشمس والكسوف للقمر، وهو غلط معارض بلفظ القرآن، ولا يصححه ما جاء في ملحق روايتنا الحادية عشرة من قول عروة: "لا تقل: كسفت الشمس، ولكن قل: خسفت الشمس". فقد قال النووي: هذا قول انفرد به. اهـ والأحاديث الصحيحة الواردة ترده.