(فعرفت فيه تحوش القوم وهيئتهم) قال النووي: "تحوش" بالتاء المفتوحة في أوله بعدها حاء ثم واو مشددة مضمومة بعدها شين أي انقباضهم. قال القاضي: يحتمل أن يريد الفطنة والذكاء، يقال: رجل حوش الفؤاد، أي حديده. ا. هـ

والمعنى الأول أليق بالمقام إذ القوم يريدونه على شيء فلا يتابعهم فهم يعتزلونه ويبتعدون وينقبضون عن مجالسته ومتابعته، أي عرفت فيه تحوش القوم عنه، و"هيئتهم" أي وحالهم معه من المجانبة له، وهو منصوب عطفاً على "تحوش القوم".

(لقيت أبا الدرداء فقال لي: ممن أنت ... إلخ) في الرواية الثالثة: "فأتانا أبو الدرداء فقال: أفيكم أحد يقرأ"؟ وفي الرواية الرابعة: "فجاء رجل فجلس إلى جنبي ثم قال: أتحفظ .... ". وفي ظاهر هذه الروايات تعارض. أسأل القوم عمن يقرأ منهم؟ أم سأله عن القراءة ابتداء؟ أم سأله عن بلده؟ ويمكن تصوير الحالة بأن علقمة وصحبه قدموا الشام، وأنهم دخلوا المسجد وصلوا، ثم جلسوا في الحلقة، ودخل أبو الدرداء نحو الحلقة ورأى جماعة غريبة يلبسون ملابس أهل العراق، وهو يتلهف على قارئ من أهل العراق يستوثق منه عما يحفظ، فاتجه نحوهم وجلس بجنب علقمة وقال لهم: أفيكم أحد يقرأ ... ؟ قال علقمة: أنا. قال له أبو الدرداء: ممن أنت؟ إلى آخره.

-[فقه الحديث]-

الاعتماد في القرآن الكريم على التلقي والأخذ عن الحفاظ، ففي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الصحابة حريصين على الأخذ من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون واسطة، ومن لم يستطع منهم ذلك أخذ عمن أخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد اشتهر في كل طبقة من طبقات الأمة جماعة بحفظ القرآن وتحفيظه ولما كان الصحابة قد اختلف أخذهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم انتشروا في الأمصار اختلف تبعاً لذلك أخذ التابعين عنهم، ثم تفرغ قوم للقراءات يضبطونها ويعنون بها ويعلمونها، ثم ألف في القراءات كعلم بعد ذلك.

وقد وضع العلماء ضوابط للقراءة الصحيحة فقالوا: كل قراءة وافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديراً، ووافقت العربية ولو بوجه، وصح إسنادها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها سواء كانت عن السبعة أم عن غيرهم، وكل قراءة اختل منها ركن من هذه الأركان الثلاثة فهي الشاذة.

ولما كانت قراءة عبد الله بن مسعود سورة الليل بحذف "وما خلق" وهو ثابت في جميع المصاحف العثمانية، كانت شاذة لا تصح القراءة بها، وفي هذا الحديث يقول المازري: يجب أن يعتقد في هذا الخبر وما في معناه أن ذلك كان قرآناً ثم نسخ، ولم يعلم من خالف النسخ فبقي على ما قبل النسخ. قال: ولعل هذا وقع من بعضهم قبل أن يبلغهم مصحف عثمان المجمع عليه، المحذوف منه كل منسوخ، وأما بعد ظهور مصحف عثمان فلا يظن بأحد منهم أنه خالف فيه، وأما ابن مسعود فرويت عنه روايات كثيرة، منها ما ليس بثابت عند أهل النقل، وما ثبت منها مخالفاً لما قلناه فهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015