-[المعنى العام]-
كان من تيسير الله تعالى على الأمة الإسلامية أن أتاح لقراء كتابه الكريم حروفاً متغايرة معينة حتى تلين ألسنتهم وتتهيأ حافظتهم، وكان جبريل ينزل بهذا التخفيف فيلقنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ويلقنه الأصحاب لتلامذتهم وانقسم هذا التيسير إلى نوعين: نوع ظل للأمة على امتداد عصورها وأزمنتها كقراءة {فهل من مدكر} بالدال المشددة، و"فهل من مذكر". بالذال بدل الدال. ونوع نسخ وتوقفت القراءة به بإجماع الصحابة والأمة على مصاحف عثمان رضي الله عنه. ومن هذا النوع الأخير قراءة عبد الله بن مسعود: "والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى. والذكر والأنثى". بحذف "وما خلق" وتلقى تلامذة عبد الله بن مسعود أمثال إبراهيم وعلقمة والأسود هذه القراءة، ولم يكن الإجماع على تركها قد استقر في نفوسهم وظلوا يقرءون بها، وسافر علقمة من الكوفة إلى الشام، والتقى هناك صدفة بأبي الدرداء الذي تلقى القراءة نفسها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن كذلك قد استقر عنده الإجماع على تركها على الرغم من أن أهل الشام الذين اعتمدوا مصحف عثمان عارضوه في قراءته.
سأل أبو الدرداء علقمة أن يقرأ له سورة الليل على قراءة ابن مسعود فقرأها له، فضحك وسر وظن أنه بذلك قد وجد ما يوثقه ويصحح قراءته، لكن هذا وذاك كانا مخالفين للإجماع، قارئين بما لا يجوز القراءة به، وهكذا كانت مصاحف عثمان رضي الله عنه حكماً وحجة على المسلمين في تلقي القرآن الكريم.
-[المباحث العربية]-
القراءات جمع قراءة، والقراءة في الاصطلاح مذهب يذهب إليه إمام من الأئمة مخالفاً به غيره في النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات عنه.
{فهل من مدكر} بالدال المشددة، أصله مذتكر، وقعت تاء الافتعال بعد ذال.
(أدالاً أم ذالاً؟ ) منصوب على الحالية لفعل محذوف، تقديره: أتقرؤها دالاً أم ذالاً؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "مدكر" دالاً. لفظ "دالاً" من كلام ابن مسعود، ومقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مدكر". لأنه لم يكن هناك تحقيق ولا سؤال عن كونها دالاً أو ذالاً حتى يقولها الرسول صلى الله عليه وسلم على فرض أنه صلى الله عليه وسلم كان يعرف أسماء الحروف.
(قدمنا الشام) يقصد علقمة نفسه ورفقاءه.
(ولكن هؤلاء) يشير إلى أهل الشام الذين يعاشرونه.
(قد قام إلى حلقة) بسكون اللام في اللغة المشهورة. قال الجوهري: ويقال في لغة رديئة بفتحها، وكانت حلقة علم أو تعليم قرآن.