4 - ومن قوله في الرواية الثامنة "لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح" أخذ فضل ركعتي الصبح على غيرهما من النوافل، وهو قول الشافعي في القديم، وفي الجديد: أفضلها الوتر، وقال بعض الشافعية: أفضلها صلاة الليل: قال النووي في المجموع: وهذا الوجه قوي. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" وفي رواية لمسلم أيضًا "الصلاة في جوف الليل" وقال في شرح صحيح مسلم: لا دلالة في الحديث على ترجيح سنة الصبح على الوتر، لأن الوتر كان واجبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يتناوله هذا الحديث. اهـ
5 - ومن النص السابق أخذ بعضهم وجوب ركعتي الفجر، وهو منقول عن الحسن البصري، ونقل مثله عن أبي حنيفة، إذ نقل عنه: لو صلاهما قاعدًا من غير عذر لم يجز. وجمهور العلماء على أنهما من أشرف التطوع لمواظبته صلى الله عليه وسلم عليهما، وليستا واجبتين، لأنه صلى الله عليه وسلم ساقهما مع النوافل، ونص "لم يكن على شيء من النوافل" دليل على أنهما من النوافل.
نعم ورد في تعظيم شأنهما كثير من الأحاديث تحث على الاستمساك بهما والمواظبة عليهما.
فبالإضافة إلى رواياتنا خصوصًا العاشرة والحادية عشرة جاء في أبي داود "لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل" أي الفرسان، وجاء فيه أيضًا عن بلال رضي الله عنه "أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليؤذنه بصلاة الغداة، فقال له: أصبحت جدًا قال أصبحت جدًا؟ ثم قال: لو أصبحت أكثر مما أصبحت لركعتهما وأحسنتهما وأجملتهما" وفي قول للمالكية أنهما من الرغائب، وهو خلاف الصحيح عندهم. واللَّه أعلم.
6 - ومن ذكر التخفيف في الروايات الأولى والثانية والرابعة والسادسة والسابعة قال العلماء بتخفيف ركعتي الصبح. واختلفوا في ركعتي الفجر على أربعة مذاهب حكاها الطحاوي:
أحدها: لا قراءة فيهما أصلاً، وتمسك هذا القائل بقول عائشة في الرواية السادسة "فيخفف حتى إني أقول: هل قرأ فيهما بأم القرآن"؟ وفي الرواية السابعة "أقول هل يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب"؟
قال النووي: وهذا القول غلط بين، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيهما بعد الفاتحة بسورة أو آية [رواياتنا الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة].
المذهب الثاني: يخفف القراءة فيهما بأم القرآن خاصة، روي ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو مشهور مذهب مالك. ويستدل له بقول عائشة في الروايتين السادسة والسابعة.
المذهب الثالث: يخفف بقراءة أم القرآن وسورة قصيرة أو آية، وهو قول الشافعي ورواية عن مالك، ويؤيده رواياتنا الثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة.
المذهب الرابع: لا بأس بتطويل القراءة فيهما. وهو قول أكثر الحنفية، وقد روي عن أبي حنيفة قوله: ربما قرأت فيهما حزبين من القرآن.
وفي سر تخفيفهما قيل: المبادرة إلى صلاة الصبح في أول الوقت، وقيل استفتاح صلاة النهار بركعتين خفيفتين كما يستفتح قيام الليل بركعتين خفيفتين ليتأهب ويستعد للفرض أو لقيام الليل.