رأسه وقال: - والليل مظلم - من هذا الذي يساعدني؟ قال: أبو قتادة، قال صلى الله عليه وسلم حفظك الله كما حفظت نبيه. قال: ترى الناس قد سبقوا هل ترى منهم أحدًا؟ قال أبو قتادة: هذا راكب، وهذا راكب آخر، وهذا راكب ثالث، يعدهم على بعد نظره في الليل حتى بلغ بهم سبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ننزل فنستريح وقال: من يحرسنا مستيقظًا حتى يوقظنا لصلاة الفجر؟ قال بلال: أنا يا رسول الله. قال: فاحفظنا لا تفوتنا صلاة الفجر، فصلى بلال ما قدر له، ثم أسند ظهره إلى بعيره فنام، فلم يستيقظ أحد إلا بعد أن طلعت الشمس، وكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فزعًا، وقام الناس فزعين. قال: يا بلال.
ألم أقل لك؟ قال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أخذني ما أخذ بنفسك من النوم الغالب لقوى البشر، قال صلى الله عليه وسلم: اقتادوا رواحكم، ليأخذ كل منكم برأس راحلته، لنغادر هذه الأرض التي غلب فيها الشيطان، فساروا قليلاً ثم نزل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سأل: هل من ماء؟ قال أبو قتادة: هذه ميضأتي - إناء معد لماء الوضوء - بها شيء من ماء، فتوضأ منها صلى الله عليه وسلم وضوء المقتصد، وبقي فيها قليل من الماء، فقال لأبي قتادة: احفظ هذه الميضأة وما فيها من ماء فسيكون لها شأن عظيم غدًا، وصلى ركعتين، ثم أمر بلالاً فأذن وأقام وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الصبح كما كان يصليها كل يوم وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركب من معه، وهم يقولون في همس: ما كفارة نومنا عن الصلاة؟ وسمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: أما لكم في رسول الله أسوة؟ ليس في النوم تفريط ولا إثم، إنما التفريط والإثم على من تكاسل وأهمل الصلاة حتى دخل وقت الثانية. فمن نام عن صلاة أو نسيها فليصل إذا ذكرها فورًا، لا كفارة لها إلا ذلك، قال تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14] ثم قال صلى اللَّه عليه وسلم لمن معه: سار الناس وسبقونا، فماذا تظنون صنيعهم إذا أصبحوا ولم يجدوا نبيهم بينهم؟ سيقول أبو بكر وعمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مازال بعدكم لم يصل بعد، لأنه لا يسبقكم ويترككم، وسيقول الناس: إن رسول الله سبقنا فإن يسمعوا لأبي بكر وعمر يكونوا راشدين فاهمين الحق والصدق.
وأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه في مشيهم حتى أدركوا الناس ضحوة وقد حميت الشمس، وهم يقولون: يا رسول الله عطشنا، يا رسول الله عطشنا. يا رسول الله، هلكنا من العطش، قال صلى الله عليه وسلم: لا هلك إن شاء الله، هاتوا لي ميضأة أبي قتادة، فلما جاءت تفل فيها ودعا، ثم جاء بإناء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب من الميضأة في الإناء، وأبو قتادة يسقي الناس من الإناء حتى شربوا جميعًا، فصب، وقال لأبي قتادة: اشرب. قال: ما كان لي أن أشرب حتى تشرب يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: إني ساقي القوم، إني آخرهم شربًا.
فأتى الناس الماء بعد الظهيرة، وهم في ري وراحة غير مجهدين وغير عطاش.
القصة الثانية: في سفر آخر، وساروا معظم الليل، ونزلوا فناموا، فكان أول من استيقظ عمر رضي الله عنه، وقد طلعت الشمس، فقام عند النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يكبر ويرفع صوته بالتكبير ليوقظ النبي صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ ورفع رأسه، ورأى الشمس قد بزغت قال: ارتحلوا، فساروا قليلاً حتى ابيضت الشمس. ثم نزل، فصلى بالناس الصبح، واعتزل رجل من القوم فلم يصل معهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا فلان. ما