أخرى، وربما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا - كرم الله وجهه - يقرأ القرآن في ركوعه أو سجوده فنهاه - لأن الأصل في النهي عن شيء إنما يكون عند الوقوع فيه أو عند الخوف من الوقوع فيه - فيكون في هذا القول من على صورة رائعة لإبراز الحق ودفع الشبهة عن الآخرين، فكأنه يقول: أنا الذي أخطأت فنهيت لا أنتم.
(نهاني حبي) بكسر الحاء والباء المشددة، أي محبوبي
(أقرب ما يكون العبد من ربه) في الكلام مضاف محذوف، أي أقرب ما يكون العبد من رحمة ربه وفضله.
(اللهم اغفر لي ذنبي كله. دقه وجله) "دقه" بكسر الدال وتشديد القاف المفتوحة، أي دقيقه وصغيره، وجله أي عظيمه، فالمراد قليله وكثيره.
(وأوله وآخره) ليس المراد الأول والآخر دون ما بينهما، بل العبارة كناية عن الإحاطة والشمول، أي الكل. وكذا يقال في "دقه وجله" و"علانيته وسره" والمراد من العبارات الثلاث التأكيد لقوله "ذنبي كله" إثر تأكيد.
(يكثر أن يقول .... ) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول به. والتقدير: يكثر قول سبحانك اللهم في ركوعه وسجوده.
(سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) قال الواحدي: أجمع المفسرون وأهل المعاني على أن معنى تسبيح الله تعالى تنزيهه وتبرئته من السوء. قال: وأصله في اللغة التبعيد، من قولك: سبحت في الأرض إذا ضربت فيها. اهـ فسبحانك اللهم معناه براءة وتنزيهًا لك من كل نقص وسبحانك منصوب على المصدر، يقال: سبحت الله بتشديد الباء تسبيحًا وسبحانًا فجعل السبحان موضع التسبيح، فحذف الفعل "سبحت" اختصارًا، ولكثرة الاستعمال صار حذفه لازمًا. و"اللهم" منادى، أي يا ربنا، "وبحمدك أسبح"، والمراد من الحمد لازمه مجازًا، وهو ما يوجبه من التوفيق والهداية، والمعنى بتوفيقك لي وهدايتك وفضلك سبحتك، لا بحولي وقوتي، ففيه شكر الله على هذه النعمة، والاعتراف بها، والتفويض إلى الله تعالى، وأن كل الأفعال له، فالواو في "وبحمدك" إما للحال، إما لعطف الجملة على الجملة.
(يتأول القرآن) المراد من القرآن بعضه، والمراد بهذا البعض قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح. ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا. فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} فهو صلى الله عليه وسلم يتأول قوله تعالى {فسبح بحمد ربك واستغفره} أي يفعل ما أمر به فيقول في ركوعه وسجوده وفي كثير من أوقاته: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي.
(يكثر أن يقول قبل أن يموت) أي في الفترة بين نزول سورة النصر وبين موته صلى الله عليه وسلم.