والمشتغلين بمطالب الحياة {علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} [المزمل: 20]، فجعل الضعيف أمير الركب، وطلب من الأقوياء أن يسيروا بخطى الضعفاء، وكان صلى الله عليه وسلم خير مطبق لهذا القانون بطبعه ووجدانه {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128]
لقد غضب صلى الله عليه وسلم على معاذ حين طول القراءة على المأمومين، واستفتح بسورة البقرة، فعنفه، وحذره من مثل ذلك لئلا ينصرف الناس عن الإسلام وصلاة الجماعة، ولعل أئمة لم يعلموا بقصته فطولوا رغبة في زيادة الثواب، أو لعلهم ظنوا أن الصبح غير العشاء، فالعشاء يحتاج أهلها للنوم، أما الصبح فقد شبعوا من النوم واستقبلوا الحركة والحياة بكثير من النشاط والرغبة في الخير.
وكان من هؤلاء الأئمة أبي بن كعب في مسجد قباء، وشكا الشاكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، إني ضعيف لا أقوى على صلاة الصبح جماعة مع أبي، لأنه يطيل القراءة، فأضطر إلى التخلف عن صلاة الجماعة وأصلي منفردا، أو أتشاغل ببعض مصالحي حتى يقطع شوطا من قراءته، ثم أحاول اللحاق به فلا أكاد أدرك الصلاة. فغضب صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، ودعا أبي بن كعب، ودعا جمعا من الأئمة، وقال: أيها الناس: إن منكم منفرين، ينفرون الناس عن صلاة الجماعة بطول القراءة، إذا ما قام أحدكم إماما للناس فليخفف، فإن من ورائه يصلي الصغير والكبير والضعيف والمريض والحامل والمرضع وابن السبيل وذو الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده فليطل في صلاته ما شاء.
أيها الناس: إنني لا أراعي المرضى والضعفاء فحسب. بل أراعي أحاسيس من خلفي ومشاغلهم ووجدهم، إنني أدخل في الصلاة وأنا أنوي وأريد تطويلها، فأسمع بكاء الطفل، فأقدر انشغال أمه ببكائه، وحرصها على سرعة لقائه واحتضانه، فأقرأ بالسورة القصيرة، وأخفف من صلاتي من أجل الصبي وأمه.
أفلا تقدرن أن خلفكم المريض والمسن والضعيف وذا الحاجة؟
أيها الناس يسروا ولا تعسروا، وخففوا ولا تطولوا، مع المحافظة على أركان الصلاة وسننها واستجاب الصحابة رضي الله عنهم، فكان عبد الرحمن بن عوف يقرأ بأقصر سورتين في القرآن {إنا أعطيناك الكوثر} {إذا جاء نصر الله والفتح} واقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه أنس بن مالك كان صلى الله عليه وسلم من أخف الناس صلاة في تمام، وما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-[المباحث العربية]-
(إني لأتأخر عن صلاة الصبح) "أي فلا أحضرها جماعة" وفي رواية "إني لأتأخر عن