في صلاة العشاء بسورة البقرة، وخلفه المريض وذو الحاجة والمتعب من عمل النهار، وصبر المتعب قدر طاقته وهو يظن أن معاذا سيقف عند قريب، لكنه يئس من وقوفه، واعتقد أنه سيتم بهم سورة البقرة في ركعة واحدة، فسلم وصلى منفردا وانصرف، وعلم بأمره معاذ فقال عنه: إنه منافق: وسأله أصحابه: أنافقت يا فلان حيث انفصلت عن الإمام. وصليت وحدك؟ قال: لا والله ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه، وشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تطويل معاذ، فعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا، وأمره أن يقرأ بقصار السور إذا أم القوم لئلا ينفروا عن الجماعة، فإن فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة.
التزم الصحابة هذه النصيحة من بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم يطيلون حيث لا خوف ولا ضرر، ويخففون حيث راحة المأمومين، فما أجمل سماحة الإسلام، وما أعظم عطف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
وصدق الله العظيم حيث يقول فيه: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128]
-[المباحث العربية]-
(ثم يأتي فيؤم قومه) في رواية "ثم رجع إلى بني سلمة فيصليها بهم ولا مخالفة، فإن قومه هم بنو سلمة.
(فانحرف رجل فسلم) المفروض أنه سلم ثم انحرف أي انصرف فالمراد أنه أراد الانحراف فسلم.
(فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ ) "فلان" كناية عن اسم الرجل، وقد نودي فعلا باسمه، ولكن الراوي كنى عنه كعادتهم في الستر، كأنه صان اسمه عن أن يتهم بالنفاق.
وفي الرواية الخامسة أن معاذًا قال: إنه منافق، فكأن القوم بلغوه على لسانهم لا على لسان معاذ ابتعادا عن النميمة.
(إنا أصحاب نواضي) جمع "ناضح" وهو ما استعمل من الإبل في سقي النخل والزرع.
(نعمل بالنهار) أي نعمل بجهد ومشقة وتعب طول النهار.
(أفتان أنت) الاستفهام إنكاري توبيخي، أي لا ينبغي أن تكون فتانًا، أي منفرًا عن الدين وصادًا عنه، قال الحافظ ابن حجر: ومعنى الفتنة ههنا أن التطويل يكون سببًا لخروجهم من الصلاة وللتكره للصلاة في الجماعة، وقال النووي: يحتمل أن يريد بقوله "فتان" أي معذب لأنه عذبهم بالتطويل، ومنه قوله تعالى: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} [البروج: 10] قيل: معناه عذبوهم.