وقد ذهب بعض العلماء إلى أن المراد من الإبصار الإبصار الحقيقي، فقال النووي: قال العلماء معناه أن الله تعالى خلق له صلى الله عليه وسلم إداركا في قفاه، يبصر به من ورائه، وقد انخرقت العادة له صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقل ولا شرع، بل ورد الشرع بظاهره فوجب القول به. قال القاضي: قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وجمهور العلماء هذه الرؤية بالعين حقيقة. اهـ.
ونحن لا ننكر أن هذا ممكن وهين على قدرة الله تعالى، ولكنه لم يعهد واقعا، لم يعهد أن عينيه صلى الله عليه وسلم وهي متجهة إلى الأمام ترى من هو في الخلف كما ترى من هو في الأمام، ولسنا في حاجة إلى تكلف خوارق العادات خصوصا حيث لا دليل عليها، إذ المقصود في الحديث علمه صلى الله عليه وسلم بحركات من خلفه علما يشبه في تمامه إبصار العين، والأصل في التشبيه أن يكون المشبه به أقوى من المشبه في وجه الشبه، ولو كان بالعين لم يحسن التشبيه إذ يكون الخلف والأمام سواء.
والذي نرتضيه أن الله تعالى أعطى رسوله صلى الله عليه وسلم إحساسا وإدراكا لما خلفه وشعورا بالحركات الخفيفة التي لا تراها عينه، وهذا أمر يعطي الله قدرا منه للأعمى تعويضا عما فقد من البصر، لكن لا يقال: إنه يبصر بعينيه، بل يقال: إنه يبصر ببصيرته، ويقوي هذا الفهم بقية الروايات، ولفظها "فو الله ما يخفى على ركوعكم ولا سجودكم، إني لأراكم وراء ظهري". "إني لأراكم من بعد ظهري" بل ذهب بعض العلماء إلى أن المراد أنه صلى الله عليه وسلم يرى ركوع أمته وسجودها بعد موته. وهو فهم غريب بعيد جدا عن مرمى الحديث.
(هل ترون قبلتي ها هنا) الإشارة إلى القبلة، أي هل ترون توجهي إلى جهة القبلة فتظنوا أنني أرى ما في المواجهة فقط؟ والاستفهام إنكاري، أي لا تظنوا قبلتي ورؤيتي على هذه الجهة فقط.
(أقيموا الركوع والسجود) يقال: أقمت العود إذا قومته وعدلته وأصلحت حاله، فهذه الرواية بمعنى الرواية الأخيرة: "أتموا الركوع والسجود" أي ائتوا بهما تامين.
-[فقه الحديث]-
قال النووي: في الحديث جواز الحلف بالله تعالى من غير ضرورة، لكن المستحب تركه إلا لحاجة، كتأكيد أمر وتفخيمه والمبالغة في تحقيقه وتمكينه من النفوس، وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث من الحلف. اهـ.
أما إتمام الركوع والسجود وكيفيتهما وما يقال من الذكر فيهما فسيأتي شرحه وإيضاحه بعد أبواب إن شاء الله.
والله أعلم