وخشوعها؟ إنك تصلي لنفسك اجعل نفسك الرقيب على نفسك في صلاتك؟ لأن ثواب صلاتك لك لا لغيرك وما يعمله الإنسان لنفسه ينبغي أن يكون على ما يجب من الجودة والإتقان.
ثم التفت صلى الله عليه وسلم إلى المصلين، فقال: ليفكر المصلي في صلاته وليتدبر ما يجب عليه فيها، وليحرص على أن تكون صلاته على الكيفية الصحيحة المطلوبة، ليكن كل منكم رقيبا على نفسه، محاسبا إياها على الإحسان في صلاتها، إنني حريص عليكم، إنني مراقب حركاتكم. إنني وإن كنت متوجها بوجهي وصدري إلى القبلة فإن بصيرتي تراقب من ورائي، وكأنني أبصر من خلفي كما أبصر من أمامي، أقيموا الركوع والسجود وأحسنوهما والتزموا الطمأنينة فيهما، ولتخشع جوارحكم كدليل على خشوع قلوبكم.
وهكذا يدفع صلى الله عليه وسلم من لم يراقب نفسه إلى أن يراقب غيره فإن بعض النفوس تخشى الناس كخشية الله، وإن بعض النفوس تطمئن إلى عفو الله وتحسب الحساب مرة ومرة للوم المخلوقين، فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ووفقنا لعمل الخير وخير العمل، إنك أنت السميع العليم.
-[المباحث العربية]-
(ثم انصرف) من الصلاة، أي انتهى منها، أو انصرف عن الاتجاه إلى المصلين.
(فقال يا فلان) لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم النطق باسم الصحابي، ولكن الراوي كنى عن اسمه وأخفاه، جريا على عادتهم -رضي الله عنهم في الستر على أصحاب الخطأ والتقصير.
(ألا تحسن صلاتك) "ألا" للعرض أو التخضيض، أي الطلب برفق، أو بشيء من القوة، أي أحسن صلاتك، وأصلها الهمزة التي للاستفهام التوبيخي بمعنى لا ينبغي، دخلت على "لا" النافية، فصار الكلام: لا ينبغي أن لا تحسن صلاتك، ونفي النفي إثبات، فيصير المعنى: ينبغي أن تحسن صلاتك.
(ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي)؟ أي ينبغي أن ينظر المصلي والمراد من النظر التفكر والتأمل، أي ليفكر المصلي في صلاته ويقارن بين ما يؤدى وبين ما ينبغي.
(فإنما يصلي لنفسه) الفاء للتعليل، وفي الكلام مضاف محذوف، أي لنفع نفسه وفائدة نفسه، فالله غني عن الإنسان وعن عبادته، وما أوجب الصلاة إلا لمثوبة العبد ومجازاته، ومن عرف أن الفعل لفائدة نفسه أحسنه فليس هناك من هو أحب إلى الإنسان من نفس الإنسان غالبا.
(إني والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي) ضبطناه في النسخ التي بين أيدينا "من ورائي. من بين يدي" بكسر الميم في "من" ويصح من حيث المعنى فتح الميم، بل هو أقرب إلى الروايات التالية و"إني لأراكم".