عن يمينه: ومرة عن شماله بحذائه، كما استند في خروجه مرة على أسامة بن زيد، ومرة على الفضل بن عباس، ومرة على بريرة، ومرة على نوبة، وهو عبد أسود، وربما توكأ على بعض هؤلاء ذهابا، وعلى بعضهم إيابا، حتى إذا لم يبق على وفاته صلى الله عليه وسلم إلا ثلاث لم يستطع الخروج، لكنه كان يطمئن بين الحين والحين على اهتمام الصحابة بصلاة الجماعة، وعلى إمامة أبي بكر فلما كان يوم الأثنين الذي توفي فيه صلى الله عليه وسلم، وكانت صلاة الظهر، ودخل الناس في الصلاة رفع صلى الله عليه وسلم الستارة التي بينه وبين المسجد، فرأى صحابته صفوفا خلف أبي بكر يقيمون شعائر الإسلام، ويحافظون على تعاليمه، فأشرق وجهه وأضاء، وهز رأسه راضيا مطمئنا، وتبسم فرحا وسرورا، وأحس الصحابة برفع الحجاب، ولحظوا بعيونهم إشراقة وجهه ونور ابتسامته التي حرموها منذ ثلاث فكادوا يفتنون فرحا، وتهللت وجوههم بشرا، وبهتوا حيرة ودهشة وشوقا وظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج إليهم بعد غيبة صعبة، وسمع في المسجد صوت الذكر والتسبيح، ينبه أبا بكر للحدث الجلل والبشر العظيم، فرجع أبو بكر على عقبيه، وتأخر عن الإمامة لهفة عليه، فأشار إليهم صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم، ثم أرخى الستر، وأنزل الحجاب ودخل، وكانت آخر نظرة منه على صلاتهم، وآخر نظرة منهم إلى وجهه الوضاء، ولحق من يومه بالرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم، نشهد أنه رسول الله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، ونحن على ذلك من الشاهدين، اللهم أعطه الوسيلة والفضيلة، والدرجة الرفيعة العالية في الجنة، وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد.
-[المباحث العربية]-
(ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم) "ألا" للعرض أو التحضيض ومعناهما طلب الشيء، لكن العرض طلب برفق، والتحضيض طلب بحث أي حدثيني، والمراد من المرض مرضه الأخير الذي توفي فيه.
(قالت: بلى) "بلى" حرف جواب عن النفي، وكأنه روعي في جوابها أصل "ألا" وأنها مركبة من همزة الاستفهام، و "لا" النافية.
(ثقل النبي صلى الله عليه وسلم) ثقل في مرضه، بفتح الثاء وضم القاف إذا تناهى في الضعف، وركدت أعضاؤه عن خفة الحركة، حتى لا تكاد تحمله رجلاه.
(قلنا: لا، وهم ينتظرونك) القائل عائشة، ونسب للحاضرين لموافقتهم وجملة "وهم ينتظرونك" في موقع الحال من الضمير الواقع في مضمون "لا" إذ أصلها: لم يصلوا منتظرين حضورك، وفيها التعريض لأن يخرج، فيصلي بهم.
(ضعوا لي ماء في المخضب) "المخضب" بكسر الميم وفتح الضاد بينهما خاء ساكنة، والمشهور أنه الإناء الذي يغسل فيه الثياب من أي جنس كان.