زوجاته إليه، وابنة أحب الناس إليه، وفهمت ابنته فاطمة مقصده، فقالت لهن: إنه لا يستطيع أن يدور على البيوت، وإنه يستأذن في الإقامة في بيت واحدة، فقلن -رضي الله عنهن-: يا رسول الله قد وهبنا ليالينا لأختنا عائشة، فذهب إلى بيت عائشة يوم الإثنين وتوفي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين بعد أسبوع، ولقد كان بيت عائشة ملاصقا للمسجد بل يفتح فيه، وليس بينهما إلا ستارة، وكان لشدة حرصه صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة يتكلف الصعب والمشقة، ويخرج إلى الجماعة يصلي بالناس، فلما اشتد عليه المرض، وانتابه الإغماء ثم أفاق أخذ يسأل صلى الله عليه وسلم: أصلى الناس؟ فأجيب: لا، وهم ينتظرون في المسجد، لتخرج فتصلي بهم، فقال:
ضعوا لي ماء أغتسل منه وأتوضأ، فوضعوا الماء فاغتسل فلما أراد القيام لم يستطع وعاوده الإغماء، فلما أفاق سأل: أصلى الناس؟ قيل: لم يصلوا وهم ينتظرونك، قال: ضعوا لي ماء في المغسل، أغتسل منه وأتوضأ، ففعلوا فاغتسل وتوضأ، فلما أراد القيام عاوده الإغماء، تكرر هذا ثلاث مرات أو أكثر، فلما أفاق واستيقن أنه من الصعب أن يخرج قال: مروا أبا بكر أن يصلي بالناس، وأشفقت عائشة على أبيها، أن يتشاءم الناس منه إن هو قام مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخافت على أبيها كراهية الناس له إذا ارتبطت إمامته بمرض من يحبون أو بموت أحب الناس إليهم، فقالت: يا رسول الله، إن أبا بكر رقيق القلب سريع الدمع، إن هو وقف موقفك لا يملك نفسه من البكاء، فلا يسمع الناس الصلاة، فمر عمر الرجل القوي الشديد أن يصلي بالناس، فأعاد صلى الله عليه وسلم: مروا أبا بكر فليصل بالناس. فأعادت عائشة المراجعة. فأعاد صلى الله عليه وسلم الأمر، فهمست عائشة لحفصة أن تقول له ما قالت، فاستجابت لها حفصة وقالت: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل رقيق لا يسمع الناس من البكاء إن قام مقامك فمر عمر أن يصلي بالناس.
وغضب صلى الله عليه وسلم من طول المراجعة، فوجه اللوم لعائشة قائلا: إنكن -معشر النساء- صواحب يوسف، إن طبائعكن كطبائع زليخا امرأة العزيز، تكثرن الإلحاح، وتبدين ما لا تخفين، مروا أبا بكر فليصل بالناس، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فأمروه أن يذهب إلى أبي بكر ليصلي بالناس، فذهب إليه في المسجد يقول له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس، وأحس أبو بكر بثقل التبعة، وشعر بضعفه عن أن يتحمل هذا الموقف الصعب، وخشي أن يبكي في الصلاة فيثير الشجن في المصلين، وينشر البكاء والضجيج في المسجد، فقال لعمر: صل أنت بالناس فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك، ولا سبيل إلى تغيير أمره، فصل بالناس: فصلى بهم أبو بكر صلاة العشاء الآخرة، ثم صلى بهم الصبح، فلما جاءت صلاة الظهر في اليوم التالي وجد صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة ونشاطا يمكنه من الصلاة في المسجد، فخرج بين عمه العباس وابن عمه علي بن أبي طالب، يتوكأ عليهما، ويخط برجليه في الأرض، لعدم قدرته على رفعهما، وكان أبو بكر قد بدأ الصلاة بالناس، فلما رآه أبو بكر تخلى عن إمامته، وأراد أن يتأخر. ليصل إلى الصف، فقبل منه صلى الله عليه وسلم الإمامة ولم يقبل أن يتأخر إلى الصف تكريما لأبي بكر. وإشارة إلى تقديمه على المسلمين. فأشار إليه صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر. وقال للعباس ولعلي: اجلساني بجانبه. فأجلساه. فصلى وصوته خافت لا يبلغ الناس.
فكان أبو بكر ينقل تكبيراته ويسمعهم، وهو يصلي كالناس واقفا، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، وتعدد خروج النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة مع أبي بكر، وكان يجلس مرة