اعلم أن الأذان كلام جامع لعقيدة الإيمان، مشتمل على نوعه من العقليات والسمعيات، فأوله إثبات الذات، وما يستحقه من الكمال والتنزيه عن أضدادها وذلك بقوله "الله أكبر" وهذه اللفظة مع اختصارها دالة على ما ذكرناه، ثم صرح بإثبات الوحدانية، ونفي ضدها من الشركة المستحيلة في حقه سبحانه وتعالى، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد، المقدمة على كل وظائف الدين، ثم صرح بإثبات النبوة، والشهادة بالرسالة لنبينا صلى الله عليه وسلم، وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانية، وموضعها بعد التوحيد وتلك المقدمات من باب الواجبات، وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليات فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقه سبحانه وتعالى، ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات، فدعا إلى الصلاة، وجعلها عقب إثبات النبوة لأن معرفة وجوبها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، لا من جهة العقل، ثم دعا إلى الفلاح، وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم، وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء، وهي آخر تراجم عقائد الإسلام ثم كرر ذلك بإقامة الصلاة، للإعلام بالشروع فيها، وهو متضمن لتأكيد الإيمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان، وليدخل المصلي فيها على بينة من أمره، وبصيرة من إيمانه، ويستشعر عظيم ما دخل فيه، وعظمة حق من يعبده، وجزيل ثوابه. اهـ.

"جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم ألو الألباب".

-[المباحث العربية]-

(أمر بلال) بضم الهمزة وكسر الميم، مبني للمجهول، أي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي: هذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء من الفقهاء وأصحاب الأصول وجميع المحدثين، وشذ بعضهم فقال: هذا اللفظ وشبهه موقوف، لاحتمال أن يكون الآمر غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا خطأ والصواب أنه مرفوع، لأن إطلاق ذلك إنما ينصرف إلى صاحب الأمر والنهي، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا اللفظ قول الصحابي: أمرنا بكذا، ونهينا عن كذا، أو أمر الناس بكذا ونحوه فكله مرفوع، سواء قال الصحابي ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بعد وفاته، والله أعلم. اهـ.

(أن يشفع الأذان) بفتح الياء معناه أن يأتي به مثنى، أي يكون ألفاظه مرتين مرتين، قال الزين بن المنير: ذلك يقتضي أن تستوي جميع ألفاظه في ذلك، لكن لم يختلف في أن كلمة التوحيد التي في آخره "لا إله إلا الله" مفردة، فقوله "يشفع" محمول على ما سواها. اهـ.

(ويوتر الإقامة) معناه يأتي بها وترا، ولا يثنيها، بخلاف الأذان.

(إلا الإقامة) معناه إلا لفظ الإقامة، وهي قوله "قد قامت الصلاة" فإنه لا يوترها، بل يثنيها، فالمراد من لفظ الإقامة المثبت غير المراد من لفظ الإقامة المستثنى، فالمراد بالمثبت جميع الألفاظ المشروعة عند القيام إلى الصلاة، والمراد من المستثنى خصوص قوله "قد قامت الصلاة" ففي الكلام جناس تام، وسيأتي إيضاح الحكم في فقه الحديث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015