وسواء سن لها الجماعة كالعيدين والكسوفين والاستسقاء أم لا، كالضحى، ولكن ينادي للعيد والكسوف والاستسقاء: الصلاة جامعة، وكذا ينادي للتراويح: الصلاة جامعة، إذا صليت في جماعة، ولا يستحب ذلك في صلاة الجنازة على أصح الوجهين.
ثم قال: وفي الأذان والإقامة ثلاثة أوجه: أصحهما أنهما سنة. والثاني: فرض كفاية، والثالث: فرض كفاية في الجمعة، سنة في غيرها، ومما احتجوا به لكونهما سنة قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي المسيء صلاته، افعل كذا وكذا، ولم يذكرهما، مع أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الوضوء، واستقبال القبلة، وأركان الصلاة، قال أصحابنا: فإن قلنا فرض كفاية فأقل ما يتأدى به الفرض أن ينتشر الأذان في جميع أهل ذلك المكان، فإن كانت قرية صغيرة، بحيث إذا أذن أحد سمعوا كلهم سقط الفرض بواحد، وإن كان بلدا كبيرا وجب أن يؤذن في كل موضع واحد، بحيث ينتشر الأذان في جميعهم، فإن أذن واحد فقط سقط الحرج عن الناحية التي سمعوه، دون غيرهم.
وحكى إمام الحرمين عن صاحب الإبانة أن فرض الكفاية يسقط بالأذان لصلاة واحدة في كل يوم وليلة، ولا يجب لكل صلاة، وقال ولم أر لأصحابنا إيجابه لكل صلاة. قال: ودليله أنه إذا حصل مرة في كل يوم وليلة لم يندرس الشعار. قال النووي: وهذا الذي ذكره خلاف ظاهر كلام جمهور أصحابنا، فإن مقتضى كلامهم وإطلاقهم أنه إذا قيل: إنه فرض كفاية وجب لكل صلاة، وهذا هو الصواب، وإذا قلنا: إن الأذان سنة حصلت بما يحصل به إذا قلنا فرض كفاية، والقول في الإقامة كالقول في الأذان في جميع ما ذكرناه.
ثم قال: والمشهور في مذهب الشافعية أنهما سنة لكل الصلوات في الحضر والسفر، للجماعة والمنفرد، لا يوجبان بحال، فإن تركهما صحت صلاة المنفرد والجماعة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وجمهور العلماء، وقال ابن المنذر: هما فرض في حق الجماعة في الحضر والسفر.
قال: وقال مالك: تجب في مسجد الجماعة، وقال عطاء والأوزاعي: وإن نسي الإقامة أعاد الصلاة، وقال العبدري: هما سنة عند مالك، وفرض كفاية عند أحمد، وقال داود: هما فرض لصلاة الجماعة، وليسا بشرط لصحتها.
قال الحافظ ابن حجر: ومنشأ الخلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره كان ذلك بالمندوبات أشبه، ثم لما واظب على تقريره، ولم ينقل أنه تركه، ولا أمر بتركه، كان ذلك بالواجبات أشبه. اهـ.
ثم قال النووي: وهل يسن للفوائت؟ ثلاثة أقوال: قال في الأم: يقيم لها ولا يؤذن، لأن الأذان للإعلام بالوقت، وقد فات الوقت، والإقامة لاستفتاح الصلاة، وذلك موجود: وقال في القديم: يؤذن ويقيم للأولى وحدها، ويقيم للتي بعدها، لأنهما صلاتان، جمعهما وقت واحد فكانتا بأذان وإقامتين، كالمغرب والعشاء بالمزدلفة فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما بأذان وإقامتين. وقال في الإملاء: إن أمل اجتماع الناس أذن وأقام، وإن لم يؤمل أقام، لأن الأذان يراد لجمع الناس، فإذا لم يؤمل الجمع لم يكن للأذان