على أن عمر لم يكن حاضرا لما قص عبد الله بن زيد رؤياه، والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي للصلاة كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه، وأن رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك. اهـ.
ولم يخرج البخاري ومسلم حديث عبد الله بن زيد كما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم لأنه ليس على شرطهما وإن كان صحيحا. والله أعلم.
وقد استشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد، حيث إن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي إذ لا يؤمن عليها الخطأ، وأجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك، أو لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بمقتضاها، لينظر أيقر على ذلك أم لا؟ ولا سيما لما رأى أن نظمها يبعد دخول الوسواس فيه، وهذا ينبني على القول بجواز اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الأحكام، وهو القول الراجح في الأصول.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا أصح مما حكى الداودي عن ابن إسحاق "أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد وعمر بثمانية أيام". اهـ.
والحكمة في إعلام الناس بالأذان على غير لسانه صلى الله عليه وسلم التنويه بقدره والرفع لذكره على لسان غيره. ليكون أقوى لأمره، وأفخم لشأنه، قاله السهيلي، وقال عنه الحافظ ابن حجر: حسن بديع.
وقد ذكر العلماء في حكمة الأذان أربعة أشياء: إظهار شعائر الإسلام وكلمة التوحيد، والإعلام بدخول وقت الصلاة، وبمكانها، والدعاء إلى الجماعة.
والحكمة في اختيار القول له دون الفعل، سهولة القول وتيسره لكل أحد، في كل زمان ومكان.
وأما السبب في تخصيص بلال بالنداء والإعلام فقد جاء مبينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما في الحديث الصحيح، حديث عبد الله بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ألقه على بلال، فإنه أندى صوتا منك" قيل معناه أرفع صوتا، وقيل أطيب، وقيل أرفع وأطيب.
وذكر بعضهم مناسبة حسنة في اختصاص بلال بالأذان، فقال: إنما خص بذلك دون غيره؛ لأنه كان لما عذب ليرجع عن الإسلام كان يقول: أحد. أحد. فجوزي بولاية الأذان المشتملة على التوحيد في ابتدائه وانتهائه. اهـ.
ومما كثر السؤال عنه. هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه؟ قال الحافظ ابن حجر: وقد وقع عند السهيلي "أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في سفر، وصلى بأصحابه، وهم على رواحلهم، السماء من فوقهم، والبلة من أسفلهم" أخرجه الترمذي وقواه، ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي، ولفظه "فأمر بلالا فأذن" فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا، وأن معنى قوله "أذن" أمر بلالا به. اهـ.
وفي حكم الأذان قال النووي: الأذان والإقامة مشروعان للصلوات الخمس بالنصوص الصحيحة والإجماع، ولا يشرع الأذان ولا الإقامة لغير الخمس بلا خلاف، سواء كانت منذورة، أو جنازة، أو سنة،