قال الحافظ ابن حجر: والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث، وقد جزم ابن المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة، وإلى أن وقع التشاور في ذلك. اهـ.

وجمع القرطبي بأنه لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه، وجمع بعضهم بحمل الأذان فيها على المعنى اللغوي، وجمع آخرون بتعدد الإسراء، والحق أن كل ذلك تكلف وتعسف، والأخذ بما صح أولى، وحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب ظاهر في أن الأذان إنما شرع بعد الهجرة: فإنه نفى النداء بالصلاة قبل ذلك مطلقا.

وظاهر حديث الباب أن النداء الأول للصلاة الذي قام به بلال بني على كلامهم في طريقة الإعلام، وفي جلسة تشاورهم في ذلك، وعقب قول عمر الصادر عن رأيه "أو لا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة" وهذا الظاهر حسن على أن يكون المراد بالنداء الإعلام المحض بحضور الوقت، لا خصوص الأذان المشروع، وقد أخرج ابن سعد في الطبقات أن اللفظ الذي كان ينادي به بلال للصلاة قوله "الصلاة جامعة" لكن الحديث على هذا لا يتعرض لبدء الأذان المشروع المعروف، بمعنى أنه لا يتعرض لألفاظه كيف جاءت؟ ومن جاء بها؟ وكيف أقرت؟ وإن تعرض للبدء به في الجملة.

والأحاديث التي تعرضت لذلك كثيرة، منها ما رواه أبو داود: "اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة، كيف يجمع الناس لها؟ فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له: القنع -يعني الشبور- وقال زياد شبور اليهود فلم يعجبه ذلك [والشبور هو القرن] وقال: هو من أمر اليهود، فذكر له الناقوس، فقال هو من أمر النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد، وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرى الأذان في منامه، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: يا رسول الله، أني لبين نائم يقظان إذ أتاني آت، فأراني الأذان -وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يوما، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "ما منعك أن تخبرني؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد، فاستحييت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال، قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله فأذن بلال".

وما رواه أبو داود أيضا عن عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس، يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده، فقلت: يا عبد الله، أتبيع الناقوس. فقال: وما تصنع به. فقلت له: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلى. قال: تقول: الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله. أشهد أن محمدا رسول الله. حي على الصلاة. حي على الصلاة. حي على الفلاح. حي على الفلاح. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال. ثم تقول: إذا أقمت الصلاة: الله أكبر. الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدا رسول الله. حي على الصلاة. حي على الفلاح. قد قامت الصلاة. قد قامت الصلاة. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. فلما أصبحت. أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال: إنها لرؤيا حق، فقم مع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015