(اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى) كان ناقوس النصارى أولا خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها، فتحدث صوتا، ثم صاروا إلى الناقوس المعروف اليوم في الكنائس والمدارس.
(وقال بعضهم: قرنا مثل قرن اليهود) "قرنا" مفعول به لفعل محذوف، أي اتخذوا قرنا، والقرن والبوق أسطوانة واسعة من الطرف البعيد، ضيقة من الطرف الذي ينفخ فيه، تضخم الصوت وترفعه، وهو مستعمل في الجيش، وفي بعض النداءات الشعبية، ويقال له "الصور" و"الشابور".
(أو لا تبعثون رجلا) الهمزة للاستفهام، والواو للعطف على مقدر، أي أتقتدون بالنصارى واليهود ولا تبعثون رجلا؟ فالهمزة لإنكار الجملة الأولى وتقرير الجملة الثانية، توبيخا على القول باللاقتداء بأهل الكتاب، وحثا وبعثا على الاستقلال بالنداء. ومراده من النداء الإعلام بالصلاة بأي لفظ، لا بلفظ الأذان، وسيأتي في فقه الحديث زيادة إيضاح.
(يا بلال: قم فناد بالصلاة) قال القاضي عياض: المراد الإعلام المحض بحضور وقت الصلاة، لا بخصوص الأذان المشروع، اهـ وهذا قول حسن، لأن هذا القول كان قبل رؤيا الأذان، وهل المراد من الأمر بـ"قم" الوقوف؟ أو الذهاب إلى البعد؟ خلاف يأتي توضيحه.
-[فقه الحديث]-
ذكرنا في حديث الإسراء أن جماعة من العلماء ذهبوا إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما كان وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد، وأن بعضهم ذهب إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي، وذكرنا أن المحققين من العلماء يرون أن الصلاة فرضت في الحضر والسفر ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة، وصلاة المغرب لأنها وتر النهار، ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول قوله تعالى: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} [النساء: 101].
واختلف في السنة التي شرع فيها الأذان، والراجح أن ذلك كان في السنة الأولى، وقيل: كان في الثانية، أما الأحاديث التي وردت بأن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة فهي ضعيفة لا تصح، وقد ذكر الطبراني منها عن ابن عمر عن أبيه قال: "لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه الأذان، فنزل به، فعلمه بلالا" وذكر الدارقطني منها: "عن أنس أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة" وذكر ابن مردويه منها عن عائشة مرفوعا "لما أسري بي أذن جبريل، فظنت الملائكة أنه يصلي بهم، فقدمني، فصليت" وذكر البزار منها من حديث علي قال "لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق، فركبها .... الحديث. وفيه، "إذ خرج ملك من وراء الحجاب، فقال: الله أكبر ... الله أكبر ... وفي آخره، ثم أخذ الملك بيده، فأم أهل السماء".